السلام عليكم ورحمة الله
إلى جنة الخلد يا فتة !!
كنت وأسرتى نجلس أمام أحد البرامج الحوارية الفضائية للفرجة ومتابعة آخر الأحداث اليومية وآخر ماوصلت إليه أحوال الأسعار وارتفاعها وجنونها عندما دخلت علينا جارتنا العزيزة «أم عمر» وفى يدها مظروف أبيض تلوح لنا به وتهلل: لما ما قدرتش أشتريه اتصورت معاه.
جارتنا أصرت على أن نقول لها: «عروستى» لمعرفة ماهو ذلك الشىء الذى إذا لم تستطع شراءه فمن الممكن أن تتصور معه.. قل نصف ساعة وأكثر ونحن نتجول بين الأشياء والسلع والمنتجات التى إذا لم يعد المواطن قادرا على شرائها هذه الأيام فمن الممكن أن يتصور معها، ويحتفظ بهذه الصور التذكارية ولكن كانت كل التكهنات والتوقعات، والإجابات غير صحيحة.. قلنا الذهب.. قالت عروستى.. قلنا الفضة.. قالت عروستى.. قلنا اللحمة.. قالت عروستى.. قلنا الفراخ.. قالت عروستى.. قلبنا وتجولنا وبحثنا بذاكرتنا فى أسواق الصاغة بل وجميع أرفف وأقسام محلات السوبر ماركت المعروفة والمشهورة فى الشوارع الراقية بالقاهرة على أن نجد هذا الشىء.. لم نجد ولم نفلح.. وكانت نشوة الانتصار والتشفى واضحة وصريحة فى عيون «أم عمر» جارتنا وهى تنظر إلينا بخبث وتقول: عروستى..
نصف ساعة كما قلت ونحن نحاول أن نجيب أو نعرف ماهو هذا الشىء.. ولكن دون جدوى.. وللحظات وبينما كنت أفكر فى الإعلان عن الانسحاب من هذه المسابقة المستعصية ومناشدة «أم عمر جارتنا» بالانضمام إلينا لشرب الشاى والفرجة على البرنامج والكف عن هذه المهزلة المسماة بمسابقة عروستى.. فتحت «أم عمر جارتنا» المظروف فجأة وأخرجت منه حفنة صغيرة من العدس وقالت: إن هذه هى الأصل وأربع صور.. الأولى وهى تقف مبتسمة بجوار جوال مكتوب عليه «عدس أبو جبة الكيلو 6 جنيه»، الثانية وهى تقف مبتسمة أيضا بجوار جوال مكتوب عليه «عدس أصفر الكيلو 8 جنيه»، والثالثة، وكانت صورة طريفة حقا؛ حيث كانت تجلس بجوار طبق فتة عدس مكتوب عليه بعض عبارات الوداع مثل: فى أمان الله وإلى جنة الخلد يافتة، وأما الصورة الرابعة، وهى الأكثر طرافة فكانت أم عمر ترتدى ملابس حداد وبملامح خاشعة تقف حزينة بين طبقين فضيين مسجيين على طبلية خشبية وبجوارها لوحة رخامية تقول: «لاراد لقضاء الله وقدره، فقد انتقل إلى رحمة الله تعالى، وفى عهد حكومة نظيف، خالد الذكر الكهرمان أبوجبة عدس، وشقيقه فى الرضاعة المناضل جيفارا الفقراء، ومسمار البطن الفول العظيم.. نسألكم قراءة الفاتحة وإقامة نصب تذكارى لهما أمام كل بيت من بيوت مصر»..
أدهشتنى مفأجاة «أم عمر» وحفنة عدسها وصورها الأربع، وبقدر ما كانت طريفة وساخرة أضحكتنا جميعا بقدر ما أخذتنى إلى أفكار وتداعيات متنوعة عن أحوالنا المعيشية المتردية وعدسنا وبصلنا وفولنا وأرزنا وكل قواعدنا وأسلحتنا الغذائية الدفاعية الاستراتيجية التى قصفها الغلاء والاحتكار ودمرها تدميرا..
فى ركن من أركان منزلى جلست أتأمل فى أصول العدس وأحواله تاركا أم عمر تحكى عن جولاتها فى السوق، وعن الست التى سقطت مغشيا عليها من أثر الصدمة عندما علمت أن كيلو العدس بقى بسبعة جنيه، وكيف أن الناس بعدما كانت تتمنى أن تأكل اللحم ولو مرة فى الشهر أصبحت الآن تتمنى أن تأكل اللحم والعدس..
فترة زمنية تقارب الساعتين تلك التى استغرقتها فى أحوال العدس وأصوله وسيرته وسمعته وقدرته العظيمة على ستر وإشباع بطون وجوع الآلاف والملايين من المصريين.. كثير من المصريين.. ولكن رحت أتساءل: هل من المستبعد أن يكون وراء غلاء العدس وتطفيشه من على موائدنا وهروبه ورحيله عنا مؤامرة دولية بل
مؤامرة أمريكية.. ولم لا؟
فلقد قرأت ومنذ فترة قريبة، وعلى موقع منبر دنيا الوطن الإلكترونى تقريرا إخباريا عن شيف الرؤساء فى مصر واسمه النعمانى يعمل فى فندق شيراتون الجزيرة.. هذا الشيف وبالحرف الواحد قال واعترف: إن من أفضل الأكلات التى تحبها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس هى شوربة العدس والملوخية والكبسة.. إذن فلنتأمل ونتوقف عند هذه الأصناف التى تعشقها وزيرة الخارجية الأمريكية، ومن ثم فلنستنشق رائحة المؤامرة والأصابع الأمريكية فيما يحدث للعدس والغلاء المجنون الذى أصابه وأفقده صوابه، وكيف أنه بات طعاما مستعصيا متعافيا متكبرا ومتجبرا علينا وعلى موائدنا.. إنها اللعبة الأمريكية التى جعلت من فتة العدس خارطة طريق غامضة نلوص فيها، وغير معروف كيفية الوصول إليها والاحتماء بها من برد الشتاء وقسوته، وبالمناسبة فلا أستعبد أن عشق رايس للملوخية أيضا كان وراء تسخين حالة الحرب الناشبة مؤخرا بيننا وبين اليابان حول من هو البلد الأحق بالملكية الفكرية للملوخية؛ نحن فى مصر أم اليابان..
لاأخفى عليكم أنه قبل أن أستسلم لهذه الفكرة، أو مايمكن أن يسمى بنظرية المؤامرة، رحت أسأل نفسى مرة ثانية: ولماذا لاتكون المؤامرة على ضرب العدس وترحيله وهجرته مؤامرة طبقية.. ومن داخلنا.. فوزير الزراعة الحالى والذى لايعرف شيئا عن زراعة العدس، وكم هى عدد الفدادين المزروعة عدسا فى مصر، ولاعن الزراعة أصلا، هو المهندس أمين أباظة، واحد من أبناء وقيادات العائلة الأباظية التى طالما عرفت واشتهرت بالعدس الأباظى ذى النكهة الخاصة والمميزة، وبالتالى فلا يصح أن يكون الفقراء المعدمون يأكلون عدسا رخيصا ومتشردا على الأرصفة والشوارع وعلى عربات الكشرى من ذات النوع الذى تأكله العائلة الأباظية، وتعد منه عدسها الأباظى المشهور، فلذا لزم، ربما يكون تم رفع السعر للارتقاء بالمستوى الطبقى «للأكيلة»..
نعم كل التكهنات والتوقعات مطروحة، فالعدس ليس رمزا فقط لمجد وتاريخ العائلة الأباظية أو طبقاً من التفاهم والتعاون المصرى الامريكى بين دبلوماسية أبوالغيط ودبلوماسية الآنسة كونداليزا رايس، وإنما كان ومازال رمزا للحريات ولحقوق الإنسان فى مصر، وأنا هنا أقصد ذلك العدس الذى طالما كان هو الوجبة الغذائية المقررة على جميع عنابر وزنازين سجون مصر، وكيف إن صلح حال العدس صلحت واستقرت أحوال المساجين، وإن ساءت وانتشر الرمل والزلط فيه تمرد المساجين وساءت أحوالهم.. وعلى ذلك ربما تكون الحكومة قررت رفع سعره ويأكله المساجين حتى يشعروا بآدميتهم وحقوقهم، وأنهم فى الجنة ونعيمها.
المصدر : روز اليوسف
إلى جنة الخلد يا فتة !!
كنت وأسرتى نجلس أمام أحد البرامج الحوارية الفضائية للفرجة ومتابعة آخر الأحداث اليومية وآخر ماوصلت إليه أحوال الأسعار وارتفاعها وجنونها عندما دخلت علينا جارتنا العزيزة «أم عمر» وفى يدها مظروف أبيض تلوح لنا به وتهلل: لما ما قدرتش أشتريه اتصورت معاه.
جارتنا أصرت على أن نقول لها: «عروستى» لمعرفة ماهو ذلك الشىء الذى إذا لم تستطع شراءه فمن الممكن أن تتصور معه.. قل نصف ساعة وأكثر ونحن نتجول بين الأشياء والسلع والمنتجات التى إذا لم يعد المواطن قادرا على شرائها هذه الأيام فمن الممكن أن يتصور معها، ويحتفظ بهذه الصور التذكارية ولكن كانت كل التكهنات والتوقعات، والإجابات غير صحيحة.. قلنا الذهب.. قالت عروستى.. قلنا الفضة.. قالت عروستى.. قلنا اللحمة.. قالت عروستى.. قلنا الفراخ.. قالت عروستى.. قلبنا وتجولنا وبحثنا بذاكرتنا فى أسواق الصاغة بل وجميع أرفف وأقسام محلات السوبر ماركت المعروفة والمشهورة فى الشوارع الراقية بالقاهرة على أن نجد هذا الشىء.. لم نجد ولم نفلح.. وكانت نشوة الانتصار والتشفى واضحة وصريحة فى عيون «أم عمر» جارتنا وهى تنظر إلينا بخبث وتقول: عروستى..
نصف ساعة كما قلت ونحن نحاول أن نجيب أو نعرف ماهو هذا الشىء.. ولكن دون جدوى.. وللحظات وبينما كنت أفكر فى الإعلان عن الانسحاب من هذه المسابقة المستعصية ومناشدة «أم عمر جارتنا» بالانضمام إلينا لشرب الشاى والفرجة على البرنامج والكف عن هذه المهزلة المسماة بمسابقة عروستى.. فتحت «أم عمر جارتنا» المظروف فجأة وأخرجت منه حفنة صغيرة من العدس وقالت: إن هذه هى الأصل وأربع صور.. الأولى وهى تقف مبتسمة بجوار جوال مكتوب عليه «عدس أبو جبة الكيلو 6 جنيه»، الثانية وهى تقف مبتسمة أيضا بجوار جوال مكتوب عليه «عدس أصفر الكيلو 8 جنيه»، والثالثة، وكانت صورة طريفة حقا؛ حيث كانت تجلس بجوار طبق فتة عدس مكتوب عليه بعض عبارات الوداع مثل: فى أمان الله وإلى جنة الخلد يافتة، وأما الصورة الرابعة، وهى الأكثر طرافة فكانت أم عمر ترتدى ملابس حداد وبملامح خاشعة تقف حزينة بين طبقين فضيين مسجيين على طبلية خشبية وبجوارها لوحة رخامية تقول: «لاراد لقضاء الله وقدره، فقد انتقل إلى رحمة الله تعالى، وفى عهد حكومة نظيف، خالد الذكر الكهرمان أبوجبة عدس، وشقيقه فى الرضاعة المناضل جيفارا الفقراء، ومسمار البطن الفول العظيم.. نسألكم قراءة الفاتحة وإقامة نصب تذكارى لهما أمام كل بيت من بيوت مصر»..
أدهشتنى مفأجاة «أم عمر» وحفنة عدسها وصورها الأربع، وبقدر ما كانت طريفة وساخرة أضحكتنا جميعا بقدر ما أخذتنى إلى أفكار وتداعيات متنوعة عن أحوالنا المعيشية المتردية وعدسنا وبصلنا وفولنا وأرزنا وكل قواعدنا وأسلحتنا الغذائية الدفاعية الاستراتيجية التى قصفها الغلاء والاحتكار ودمرها تدميرا..
فى ركن من أركان منزلى جلست أتأمل فى أصول العدس وأحواله تاركا أم عمر تحكى عن جولاتها فى السوق، وعن الست التى سقطت مغشيا عليها من أثر الصدمة عندما علمت أن كيلو العدس بقى بسبعة جنيه، وكيف أن الناس بعدما كانت تتمنى أن تأكل اللحم ولو مرة فى الشهر أصبحت الآن تتمنى أن تأكل اللحم والعدس..
فترة زمنية تقارب الساعتين تلك التى استغرقتها فى أحوال العدس وأصوله وسيرته وسمعته وقدرته العظيمة على ستر وإشباع بطون وجوع الآلاف والملايين من المصريين.. كثير من المصريين.. ولكن رحت أتساءل: هل من المستبعد أن يكون وراء غلاء العدس وتطفيشه من على موائدنا وهروبه ورحيله عنا مؤامرة دولية بل
مؤامرة أمريكية.. ولم لا؟
فلقد قرأت ومنذ فترة قريبة، وعلى موقع منبر دنيا الوطن الإلكترونى تقريرا إخباريا عن شيف الرؤساء فى مصر واسمه النعمانى يعمل فى فندق شيراتون الجزيرة.. هذا الشيف وبالحرف الواحد قال واعترف: إن من أفضل الأكلات التى تحبها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس هى شوربة العدس والملوخية والكبسة.. إذن فلنتأمل ونتوقف عند هذه الأصناف التى تعشقها وزيرة الخارجية الأمريكية، ومن ثم فلنستنشق رائحة المؤامرة والأصابع الأمريكية فيما يحدث للعدس والغلاء المجنون الذى أصابه وأفقده صوابه، وكيف أنه بات طعاما مستعصيا متعافيا متكبرا ومتجبرا علينا وعلى موائدنا.. إنها اللعبة الأمريكية التى جعلت من فتة العدس خارطة طريق غامضة نلوص فيها، وغير معروف كيفية الوصول إليها والاحتماء بها من برد الشتاء وقسوته، وبالمناسبة فلا أستعبد أن عشق رايس للملوخية أيضا كان وراء تسخين حالة الحرب الناشبة مؤخرا بيننا وبين اليابان حول من هو البلد الأحق بالملكية الفكرية للملوخية؛ نحن فى مصر أم اليابان..
لاأخفى عليكم أنه قبل أن أستسلم لهذه الفكرة، أو مايمكن أن يسمى بنظرية المؤامرة، رحت أسأل نفسى مرة ثانية: ولماذا لاتكون المؤامرة على ضرب العدس وترحيله وهجرته مؤامرة طبقية.. ومن داخلنا.. فوزير الزراعة الحالى والذى لايعرف شيئا عن زراعة العدس، وكم هى عدد الفدادين المزروعة عدسا فى مصر، ولاعن الزراعة أصلا، هو المهندس أمين أباظة، واحد من أبناء وقيادات العائلة الأباظية التى طالما عرفت واشتهرت بالعدس الأباظى ذى النكهة الخاصة والمميزة، وبالتالى فلا يصح أن يكون الفقراء المعدمون يأكلون عدسا رخيصا ومتشردا على الأرصفة والشوارع وعلى عربات الكشرى من ذات النوع الذى تأكله العائلة الأباظية، وتعد منه عدسها الأباظى المشهور، فلذا لزم، ربما يكون تم رفع السعر للارتقاء بالمستوى الطبقى «للأكيلة»..
نعم كل التكهنات والتوقعات مطروحة، فالعدس ليس رمزا فقط لمجد وتاريخ العائلة الأباظية أو طبقاً من التفاهم والتعاون المصرى الامريكى بين دبلوماسية أبوالغيط ودبلوماسية الآنسة كونداليزا رايس، وإنما كان ومازال رمزا للحريات ولحقوق الإنسان فى مصر، وأنا هنا أقصد ذلك العدس الذى طالما كان هو الوجبة الغذائية المقررة على جميع عنابر وزنازين سجون مصر، وكيف إن صلح حال العدس صلحت واستقرت أحوال المساجين، وإن ساءت وانتشر الرمل والزلط فيه تمرد المساجين وساءت أحوالهم.. وعلى ذلك ربما تكون الحكومة قررت رفع سعره ويأكله المساجين حتى يشعروا بآدميتهم وحقوقهم، وأنهم فى الجنة ونعيمها.
المصدر : روز اليوسف
عدل سابقا من قبل العمـــدة في الإثنين 02 مارس 2009, 6:37 pm عدل 1 مرات