السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علوم الحديث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فتعتبر علوم الحديث النبوي الشريف من العلوم الإسلامية الهامة، يؤكد ذلك نصوص القرآن ونصوص السنة وإجماع الأمة، وأن جميع المسلمين ينظرون إلى الحديث النبوي الشريف نظرة توقير وتبجيل، باعتبار أنه المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم. ويتفق جميع المشتغلين بعلوم الحديث النبوي على تعريف الحديث بأنه:
"أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخِلقية، والخُلقية"
والمراد من "أقواله": كل ما نُسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه تلفظ به، مهما كان موضوع هذا التلفظ؛ في العقائد أو الأحكام أو الآداب العامة، أو في صفات الجنة أو النار، أو غير ذلك. مثل قول الصحابي: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها".
والمراد من "أفعاله" : مـا نٌسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه فعله أو عمله، مثل وصف الصحابي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه "كان إذا صلّى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه".
والمراد من "تقريراته" (ومفردها تقرير): أن يقول الصحابي قولاً أو يفعل فعلاً أمام النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو في غيبته ويُخبر به، فيسكت عن ذلك القول أو الفعل، ولايعترض عليهما، فيعتبر هذا السكوتُ موافقةً منه على ذلك الفعل أو القول، لأن المعروف عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يُقِرّ أحدًا على قولٍ أو فعلٍ لم يرضَ عنه. ومن أمثلة تقريراته لأقوال الصحابة؛ إقراره أشعارَ حسّان بن ثابت (رضي الله عنه) التي كان يهجو بها مشركي قريش، وإقرارُه تعليم أبي بكر الصديق حسانًا أنساب قريش لينظمها له شعرأً. ومن تقريراته لأفعال الصحابة؛ إقرارُه عائشة على اللعب بالبنات (وقد كانت تصنع هذه الألعاب من الخرق وقطع القماش على صورة بنات).
والمراد من "صفاته الخَلقية": هيئته (صلى الله عليه وسلم) التي خلق عليها، مثل لون بشرته، ونعومة ملمسه، ومقدار طوله (صلى الله عليه وسلم).
والمراد من "صفاته الخُلُقِيَّة": ما كان فيـه مـن الأخلاق الكريمة، والسجايا الحميدة -وكل أخلاقه من هذا القبيل- مثل شدّة حيائه، وكثرة تواضعه، وعطفه على الفقراء والأرامل واليتامى، وشجاعته وكرمه.
تدوين الحديث الشريف:
تدلنا نصوص كثيرة على أن كتابة الحديث النبوي بدأت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنها كانت بعلمه، بل بأمره في بعض الأحيان.
فقد ثبت عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: "ما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر حديثا عنه منـي إلا مـا كان مـن عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب". وقد تحدّث عبد الله بن عمرو عن كتابته للحديث فقال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أريد حفظه، فنهتني قريشٌ فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشر، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرتُ ذلك لرسـول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق". وسمّى عبد الله بن عمرو صحيفته التي جمع فيها كتابته هذه "الصادقة"، واشتهرت هذه التسمية بين أهل العلم .
وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكتابة لأبي شاه، وهو رجل من أهل اليمن لم يستطع أن يحفظ تفصيلات إحدى خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) فطلب أن تكتب له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "اكتبوا لأبي شاه".
ومنها أنه أمر بكتابة رسائل كثيرة، لعدد من الملوك وزعماء القبائل في عصره يدعوهم إلى الإسلام، منها: رسالة إلى كسرى (ملك فارس)، وأخرى إلى هرقل (عظيم الروم)، وثالثة إلى المقوقس (ملك مصر).
وأنه (صلى الله عليه وسلم) أمر بالكتابة إلى الضحاك بن سفيان الكلابي أن يُورِّثَ امـرأة أشيم الضباني من ديته.
ودعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأديم -وعلي بن أبي طالب عنده- فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه (الأديم هو الجلد والأكارع هي امتداد الجلد من ناحية الأرجل).
فهذه النصوص وغيرها تثبت أن كتابة الحديث بدأت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . ولما توفي (صلى الله عليه وسلم) استمر الصحابة في كتابة الحديث، وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" اثنين وخمسين صحابيًا كتبوا الحديث، وأنه كان لبعضهم عدد من التلاميذ، كتبوا عنهم صحفًا حديثية. أما في عصر التابعين، فتوسعت دائرة الكتابة جدًا، حتى أحصى الدكتور الأعظمي فـي كتابه المتقدم مائة وواحدًا وخمسين تابعيًا، كان كل منهم يجمع الحديث ويكتبه ويمليه على تلاميذه. واستمر التوسع في كتابة الحديث حتى النصف الثاني من القرن الثاني حيث بدأت تظهر المصنفات الحديثية.
ومن الجدير بالذكر أن يقال هنا: إن تدوين الحديث من قِبَل الصحابة ومَن بعدهم كان تدوينًا فرديًا خاصًا. أما التدوين الرسمي أي تدوين الحديث بأمر من رئيس الدولة، فقد كان في عهد عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي، (كانت ولايته من سنة 99 إلى سنة 101هـ)، حيث وجّه كتبًا إلى عماله وولاته يطلب منهم الاهتمام بالعلماء، ويجمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكان ممن أكّد عليهم بهذا الطلب عامله على المدينة أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (توفي سنة 117هـ)، وعالم المدينة في زمنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (توفي سنة 123هـ). وكان غرضه حفظ العلم ونشره، خوفًا من ضياعه وموت أهله.وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابيه "الوجيز في علوم الحديث" و "المختصر الوجيز في علوم الحديث" أن التدوين الرسمي كان أسبق من ذلك، وأنه كان في عهد والي مصر عبد العزيز بن مروان (توفي سنة 85هـ) وهو والد عمر، وأنه كان قد تنبه إلى أهمية تدوين أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكتب إلى كثير بن مُرّة الحضرمي أحد أعلام التابعين يطلب منه أن يكتب ما سمعه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) من أحاديث نبوية.
وفي النصف الأول من القرن الهجري الثاني بدأ ظهور المصنفّات الحديثية، واختلف العلماء في تحديد أول من صنّف، لعدم وجود معلومات صريحة في ذلك، إذ كانت سنوات وفيات أصحاب هذه المصنفات متقاربة.
ثم توالت المصنفات بالظهور تباعًا من النصف الثاني من القرن الهجري الثاني حتى كان القرن الهجري الثالث،وهو عصر الازدهار في المؤلفات الحديثية، إذ تنوعت فيه المؤلفات الحديثية وتعددت مظاهرها، وصارت ألوان التأليف وطرائقه واضحة مشهورة. فمن العلماء من ألّف على طريقة الموطآت، ومنهم من ألف على طريقة المسانيد، ومنهم من ألّف على طريقة الأبواب والموضوعات، أو على طريقة المعاجم والأمالي والفوائد والأجزاء … إلى غير ذلك من طرائق التأليف. وكان أبرز المصنفات الحديثية الكتب الستة، وهي: "الجامع الصحيح" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (توفي سنة 256هـ)، و "الجامع الصحيح" لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (توفي سنة 261هـ)، وكتب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، (توفي سنة 275هـ)، ولأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (توفي سنة 279هـ)، ولأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (توفي سنة 303هـ)، ولابن ماجه أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني (توفي سنة 275هـ).
ويعتبر الكتابان الأولان "الجامع الصحيح" للبخاري و"الجامع الصحيح" لمسلم أصح كتابين بعد القرآن الكريم، لأن مؤلفيهما اشترطا لإخراج الأحاديث فيهما شروطًا خاصة لم تتوفر في غيرهما من المؤلفات. والبخاري مقّدم على مسلم في قوة هذه الشروط.
هذا و سوف نتعرض إن شاء الله تعالى في الأعداد المقبلة إلى مظاهر إعتناء الأمة الإسلامية بحديث النبي صلى الله عليه و سلم و كيف صنفوا لأجل حفظه العلوم مثل علوم الجرح و التعديل و علم علل الحديث و غيرها ما سوف نتعرض له المرة القادمة بإذن الله تعالى
علوم الحديث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فتعتبر علوم الحديث النبوي الشريف من العلوم الإسلامية الهامة، يؤكد ذلك نصوص القرآن ونصوص السنة وإجماع الأمة، وأن جميع المسلمين ينظرون إلى الحديث النبوي الشريف نظرة توقير وتبجيل، باعتبار أنه المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم. ويتفق جميع المشتغلين بعلوم الحديث النبوي على تعريف الحديث بأنه:
"أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخِلقية، والخُلقية"
والمراد من "أقواله": كل ما نُسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه تلفظ به، مهما كان موضوع هذا التلفظ؛ في العقائد أو الأحكام أو الآداب العامة، أو في صفات الجنة أو النار، أو غير ذلك. مثل قول الصحابي: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها".
والمراد من "أفعاله" : مـا نٌسِب إليه (صلى الله عليه وسلم) أنه فعله أو عمله، مثل وصف الصحابي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه "كان إذا صلّى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه".
والمراد من "تقريراته" (ومفردها تقرير): أن يقول الصحابي قولاً أو يفعل فعلاً أمام النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو في غيبته ويُخبر به، فيسكت عن ذلك القول أو الفعل، ولايعترض عليهما، فيعتبر هذا السكوتُ موافقةً منه على ذلك الفعل أو القول، لأن المعروف عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يُقِرّ أحدًا على قولٍ أو فعلٍ لم يرضَ عنه. ومن أمثلة تقريراته لأقوال الصحابة؛ إقراره أشعارَ حسّان بن ثابت (رضي الله عنه) التي كان يهجو بها مشركي قريش، وإقرارُه تعليم أبي بكر الصديق حسانًا أنساب قريش لينظمها له شعرأً. ومن تقريراته لأفعال الصحابة؛ إقرارُه عائشة على اللعب بالبنات (وقد كانت تصنع هذه الألعاب من الخرق وقطع القماش على صورة بنات).
والمراد من "صفاته الخَلقية": هيئته (صلى الله عليه وسلم) التي خلق عليها، مثل لون بشرته، ونعومة ملمسه، ومقدار طوله (صلى الله عليه وسلم).
والمراد من "صفاته الخُلُقِيَّة": ما كان فيـه مـن الأخلاق الكريمة، والسجايا الحميدة -وكل أخلاقه من هذا القبيل- مثل شدّة حيائه، وكثرة تواضعه، وعطفه على الفقراء والأرامل واليتامى، وشجاعته وكرمه.
تدوين الحديث الشريف:
تدلنا نصوص كثيرة على أن كتابة الحديث النبوي بدأت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنها كانت بعلمه، بل بأمره في بعض الأحيان.
فقد ثبت عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: "ما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر حديثا عنه منـي إلا مـا كان مـن عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب". وقد تحدّث عبد الله بن عمرو عن كتابته للحديث فقال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أريد حفظه، فنهتني قريشٌ فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشر، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرتُ ذلك لرسـول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق". وسمّى عبد الله بن عمرو صحيفته التي جمع فيها كتابته هذه "الصادقة"، واشتهرت هذه التسمية بين أهل العلم .
وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكتابة لأبي شاه، وهو رجل من أهل اليمن لم يستطع أن يحفظ تفصيلات إحدى خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) فطلب أن تكتب له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "اكتبوا لأبي شاه".
ومنها أنه أمر بكتابة رسائل كثيرة، لعدد من الملوك وزعماء القبائل في عصره يدعوهم إلى الإسلام، منها: رسالة إلى كسرى (ملك فارس)، وأخرى إلى هرقل (عظيم الروم)، وثالثة إلى المقوقس (ملك مصر).
وأنه (صلى الله عليه وسلم) أمر بالكتابة إلى الضحاك بن سفيان الكلابي أن يُورِّثَ امـرأة أشيم الضباني من ديته.
ودعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأديم -وعلي بن أبي طالب عنده- فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه (الأديم هو الجلد والأكارع هي امتداد الجلد من ناحية الأرجل).
فهذه النصوص وغيرها تثبت أن كتابة الحديث بدأت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . ولما توفي (صلى الله عليه وسلم) استمر الصحابة في كتابة الحديث، وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" اثنين وخمسين صحابيًا كتبوا الحديث، وأنه كان لبعضهم عدد من التلاميذ، كتبوا عنهم صحفًا حديثية. أما في عصر التابعين، فتوسعت دائرة الكتابة جدًا، حتى أحصى الدكتور الأعظمي فـي كتابه المتقدم مائة وواحدًا وخمسين تابعيًا، كان كل منهم يجمع الحديث ويكتبه ويمليه على تلاميذه. واستمر التوسع في كتابة الحديث حتى النصف الثاني من القرن الثاني حيث بدأت تظهر المصنفات الحديثية.
ومن الجدير بالذكر أن يقال هنا: إن تدوين الحديث من قِبَل الصحابة ومَن بعدهم كان تدوينًا فرديًا خاصًا. أما التدوين الرسمي أي تدوين الحديث بأمر من رئيس الدولة، فقد كان في عهد عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي، (كانت ولايته من سنة 99 إلى سنة 101هـ)، حيث وجّه كتبًا إلى عماله وولاته يطلب منهم الاهتمام بالعلماء، ويجمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكان ممن أكّد عليهم بهذا الطلب عامله على المدينة أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (توفي سنة 117هـ)، وعالم المدينة في زمنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (توفي سنة 123هـ). وكان غرضه حفظ العلم ونشره، خوفًا من ضياعه وموت أهله.وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابيه "الوجيز في علوم الحديث" و "المختصر الوجيز في علوم الحديث" أن التدوين الرسمي كان أسبق من ذلك، وأنه كان في عهد والي مصر عبد العزيز بن مروان (توفي سنة 85هـ) وهو والد عمر، وأنه كان قد تنبه إلى أهمية تدوين أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكتب إلى كثير بن مُرّة الحضرمي أحد أعلام التابعين يطلب منه أن يكتب ما سمعه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) من أحاديث نبوية.
وفي النصف الأول من القرن الهجري الثاني بدأ ظهور المصنفّات الحديثية، واختلف العلماء في تحديد أول من صنّف، لعدم وجود معلومات صريحة في ذلك، إذ كانت سنوات وفيات أصحاب هذه المصنفات متقاربة.
ثم توالت المصنفات بالظهور تباعًا من النصف الثاني من القرن الهجري الثاني حتى كان القرن الهجري الثالث،وهو عصر الازدهار في المؤلفات الحديثية، إذ تنوعت فيه المؤلفات الحديثية وتعددت مظاهرها، وصارت ألوان التأليف وطرائقه واضحة مشهورة. فمن العلماء من ألّف على طريقة الموطآت، ومنهم من ألف على طريقة المسانيد، ومنهم من ألّف على طريقة الأبواب والموضوعات، أو على طريقة المعاجم والأمالي والفوائد والأجزاء … إلى غير ذلك من طرائق التأليف. وكان أبرز المصنفات الحديثية الكتب الستة، وهي: "الجامع الصحيح" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (توفي سنة 256هـ)، و "الجامع الصحيح" لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (توفي سنة 261هـ)، وكتب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، (توفي سنة 275هـ)، ولأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (توفي سنة 279هـ)، ولأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (توفي سنة 303هـ)، ولابن ماجه أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني (توفي سنة 275هـ).
ويعتبر الكتابان الأولان "الجامع الصحيح" للبخاري و"الجامع الصحيح" لمسلم أصح كتابين بعد القرآن الكريم، لأن مؤلفيهما اشترطا لإخراج الأحاديث فيهما شروطًا خاصة لم تتوفر في غيرهما من المؤلفات. والبخاري مقّدم على مسلم في قوة هذه الشروط.
هذا و سوف نتعرض إن شاء الله تعالى في الأعداد المقبلة إلى مظاهر إعتناء الأمة الإسلامية بحديث النبي صلى الله عليه و سلم و كيف صنفوا لأجل حفظه العلوم مثل علوم الجرح و التعديل و علم علل الحديث و غيرها ما سوف نتعرض له المرة القادمة بإذن الله تعالى