الماسونية
الماسونية . اشتقاق لغوي من الكلمة الفرنسية ( ْMacon ) ومعناها (البناء) والماسونية تقابلها ( Maconneries) , أى البناؤون الأحرار , وفى الإنجليزية يقال: فري ماسون (Free-mason ) (البناؤون الأحرار) . وبذلك يتضح أن هذه المنظمة يربطها أصحابها ومؤسسوها بمهنة البناء , وبالفعل يزعم مؤرخوها ودعاتها أنها في الأصل تضم الجماعات المشتغلة في مهن البناء والعمار , وبهذا التبرير يحاولون إظهارها وكأنها أشبه بنقابة للعاملين في مهن البناء! ولو كانت الماسونية نقابة محترفي أعمال بناء فما الداعي لسريتها وإخفاء أوراقها ..؟!
حقيقة الماسونية
الماسونية هي حركة خطيرة ما إن يطرح اسمها حتى يثور القلق في نفس المستمع , وما أن تذكر حتى ترى الجلساء يبدءون بتعداد مؤامراتها ومكائدها , ويظهرون الحيرة في أمر هذه الحركة التي اعتمدت السرية في إخفاء حقيقتها وأهدافها , ولعل ذلك لأن اليهود الذين حاربوا الأنبياء والرسل , وظنوا أنهم شعب الله المختار وأن ما سواهم ( غوييم ), أي أغبياء ضالين يوجهونهم كيف يشاؤون ويصل بهم المستوى للقول : ( الغوييم هم حيوانات بصورة بشر ) أرادوا أن تكون الماسونية من جملة الأقنعة التي تستتر مخططاتهم وراءها.
يقول حكماء صهيون في البرتوكول الخامس عشر من بروتوكولاتهم: أنه من الطبيعي أن نقود نحن وحدنا الأعمال الماسونية ، لأننا وحدنا نعلم أين ذاهبون وما هو هدف كل عمل من أعمالنا, أما الغوييم فإنهم لا يفهمون شيئا حتى ولا يدركون النتائج القريبة , وفي مشاريعهم فإنهم لا يهتمون إلا بما يرضي مطامعهم المؤقتة ولا يدركون أيضا حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هي من وحينا !
هذا قليل من كثير جاء عند حكماء صهيون عن الماسونية بأنها من الأدوات الهامة التي يسعون عبرها لتحقيق أهدافهم سواء في بناء مملكتهم المزعومه في فلسطين ، و إعادة بناء هيكل سليمان , أو في تحقيق نفوذ لهم في أية حكومه أو مؤسسه يستطيعون النفاذ إليها , أو في نشر الفساد في الأرض ، لأن إشاعة التعلق بالماده والشهوات والأهواء يكشف الثغرات ونقاط الضعف في كل شخص والنافذين بشكل خاص كي يتوجهوا إليه بإشباع هذه الأهواء فيصبح رهينة بين أيديهم يستثمرونه كي يريدون .
والماسونية تعتمد المنهج اليهودي في الحط من شأن الخالق سبحانه وتعالى , فكما اليهود في توراتهم المحرفة يقولون بالاتحاد بين الله والإنسان , فيعطون على أساس ذلك لله تعالى أوصاف بشريه كقولهم مثلاً:
بكى حتى تورمت عينيه .. ندم على خراب الهيكل .. سمع آدم وقع أقدام الرب في الجنة .
كذلك الماسون يستخدمون للخالق سبحانه وتعالى تعبيرا غامضا هو: مهندس الكون الأعظم , و في هذا التعبير إنكار واضح لخلق الله تعالى المخلوقات من العدم, فالمهندس ليس سوى بان من مواد متوفرة , وقولهم الأعظم يفيد وكأن العمل تم من قبل مجموعة كان هو أعظمها .
فماسونيتهم كما يدعون فوق الأديان وهى عقيدة العقائد لا تعترف بوطنيه ولا قوميه فهي أمميه عالميه تعمل على توحيد العالم وسلام عالمي ولغة عالمية إلى ما هنالك من الشعارات البراقة التي يجد فيها الضعفاء سبيلا للهروب ومبررا لتقصيرهم في جهادهم من إعلاء راية الإيمان وحفظ الأمم والأوطان والمقدسات.
و ليست الماسونية حركة منظمة لا يمكن محاربتها وإنما حركة مشتتة متعددة النظم محافلها أكثر من أن تعد, وهي متصارعة , وكل محفل فيها يتهم غيره بالخروج عن الماسونية والانحراف عن مبادئها .
ففي لبنان وحده وهو بلد صغير هناك عشرات المحافل ولكل واحد منها نظامه ورؤساؤه و مفاهيمه , والماسونية حركة تشكل أداة بيد الصهيونية والاستعمار ولكنها ليست الوحيدة , فمن تفرعاتها أندية الروتاري والليونز التي يتباهى بعض من ينسبون أنفسهم لمراكز دينية أو ثقافية زورا بالانتماء لها أو حضور احتفالاتها, ومن مثيلاتها حركات هدامة وأبرزها البهائية والقاديانية .
جذور الماسونية
في الثلث الثاني من القرن الأول الميلادي، وبالتحديد في العام 43م وفي إطار حملتهم للقضاء على الديانة النصرانية، أنشأ اليهود جمعية سرية أطلقوا عليها اسم "القوة الخفية" واستعانوا بشخصية يهودية تعرف باسم "احيرام أبيود"، أحد مستشاري الملك هيرودس الثاني عدو النصرانية الأكبر، لتحقيق هذه الغاية.
وعن هذه النقطة يقول حيرام: «لما رأيت أن رجال الدجال يسوع وأتباعهم يكثرون ويجتهدون بتضليل الشعب اليهودي بتعاليمهم، مثلت أمام مولاي هيرودوس وقلت له: مولاي الملك , لقد تأكد لجلالتكم وللملأ أن ذلك الدجال يسوع استمال بأعماله وتعاليمه المضلة قلوب كثير من الشعب اليهودي شعبكم، وعلى ما يظهر أن أتباعه ينمون ويزدادون يوماً بعد يوم, فلما رأيت أن لا أمل بقوة تدفع تلك القوة التي لا شك أنها خفية إلا بإنشاء قوة خفية مثلها، فلذلك أرى من الصواب إذا حسن في عين جلالة مولاي وارتأى رأي عبده , إنشاء جمعية ذات قوة أعظم منها, تضم القوة اليهودية المهددة من تلك القوة الخفية، ولا يكون عالماً بمنشأها ووجودها ومبادئها وأعمالها إلا من كان داخلاً فيها، ولن ندع أحداً يعرف أننا أسسناها إلا المؤسسين الذين تختارهم جلالتكم...».
وجد الملك هيرودوس في فكرة أبيود, فرصة في محاربة أتباع الدعوة اليسوعية، فتلقفها على الفور وبادر إلى استدعاء أبرز مستشاريه بهدف تفعيلها على الفور في إطار تنظيمي فاعل، ولقد ضم الاجتماع الأول بالإضافة إلى الملك، وأبيود؛ كلاً من , مؤآب لافي, هانا أنتيبا, جاكوب أبدون, سلومون, أبيرون, أدونيرام.
والثابت تاريخياً أن السلف والخلف من آل هيرودوس لم يدخروا جهداً في التنكيل برموز الدعوة النصرانية من مثل , قتل القديس يعقوب وسجن الداعي بطرس وقطع رأس يوحنا المعمدان بالإضافة إلى ذبح أطفال بيت لحم.
وقد أسندت رئاسة جمعية "القوة الخفية" إلى الملك المذكور، وهكذا تم عقد أول اجتماع سري عام 43م حضره الملك المذكور ومستشاراه اليهوديان "احيرام أبيود" و"موآب لافي" وستة من الأنصار المختارين، وكان الغرض الرئيس من إنشاء هذه الجمعية القضاء على النصرانية.
وقد عقدوا الاجتماع الثاني واتخذوا بعض القرارات السرية وتعاهدوا على كتمانها وأفسحوا لمن يثقون بهم المجال للانضمام إلى هذه الجمعية على أن تُعصَب عينيْ كل من يود الانتساب للجمعية، واتفقوا على اتخاذ بعض الأدوات الهندسية كالبرجل والميزان رمزاً لمنـظمتهم السرية.
وتلا هذا الاجتماع سلسلة لقاءات دورية سرية, تمخض عنها وضع الخطوط العامة والتفصيلية للهيكلية التنظيمية، وتخلل هذا الأمر تدريجياً تسييج نشاطهم الداخلي والخارجي بسياج محكم من الطقوس والرموز السرية, وأعقب ذلك انتشار لأعضاء الحركة الجديدة وعمل دعوي على خطين متوازيين:
الأول: وتمثل في بناء هياكل (محافل حسب التسمية الحديثة) واجتذاب أعضاء جدد إليها من عامة الناس, تحت شعارات وعناوين مغايرة تماماً لحقيقة الأمر.
الثاني: نشاط سري تركز على تعقب المبشرين النصرانيين، إما بالتكذيب أو التحريف وأحياناً بالنفي والقتل.
وبعد هلاك الملك هيرودس انتقلت رئاسة هذه الجمعية السرية إلى "احيرام" مستشاره ثم أعقبه ابن أخيه "طوبان لقيان".
ويكتب التاريخ أن حيرام أبيود وجد مقتولاً تحت شجرة في مدينة صيدون (صيدا) خلال قيامه في مهمة تبشيرية, وتقديراً لفضله في تأسيس القوة الخفية والعمل على تعزيز مكانتها, بالغ تلامذته في تكريمه بأن أطلقوا على أنفسهم لفترة زمنية غير طويلة «أبناء الأرملة» وذلك لأن حيرام كان يتيم الأم, وغالباً ما عُرف بين أصحابه بـ «ابن الأرملة».
بقيت حركة حيرام أبيود تعرف باسم القوة الخفية, حتى بداية القرن الثامن عشر, وتُعد هذه المرحلة التاريخية الفاصلة بين انطلاقة الحركة ومطلع القرن المذكور, من أكثر المراحل غموضاً في تاريخها, ولم نعثر للأسف غلي ما كُتب عن تاريخ الماسونية, على ما يمكن أن يُستدل من خلاله على ما آلت إليه أمور الحركة طيلة هذه الفترة, غير أننا نفترض على ضوء ما حصل لاحقاً، ولأسباب نجهلها، أن الحركة أو القوة الخفية قد شُلت حركتها من الناحية العملية، فيما تحولت تعاليمها وإنجازاتها إلى إرث أسطوري توارثته نخبة من اليهود, تعود في جذورها إلى سلالة المؤسسين الأوائل.
وهذا ليس بالأمر المستغرب, إذا عرفنا طبيعة الحركات الباطنية التي تميل إلى الجمود والانطواء والتكتم على كل ما يتصل بتاريخ رموزها.
وتجاوزاً لتلك المرحلة الغامضة بكل ما حملت من تطورات وأحداث، نتوقف عند بداية القرن الثامن عشر, حيث شهدت محاولة تجديد الإرث الخفي، وانطلاقة الحركة الماسونية وشيوعها.
ففي 25 أغسطس من العام 1716, اجتمع كلٌ من «جوزف لافي» أحد ورثة تاريخ أجداده, من الجد الأكبر «موآب لافي» وابنه إبراهيم, ويهودي آخر يدعى «إبراهيم أبيود» من سلالة المؤسس الأول «حيرام أبيود», بالإضافة إلى عضوين آخرين, اجتمع الخمسة في لندن بعد اطلاعهم على النسخة الأصلية لتعاليم القوة الخفية ورموزها وإشاراتها السرية, ووضعوا لها بعض المبادئ البراقة "حرية، مساواة، إخاء، تعاون" .
واستبدلوا الرموز القديمة باصطلاحات جديدة كما قرروا تبديل اسم "هيكل" الذي كانوا يستعملونه قديماً باسم "محفل" وتبديل اسم القوة الخفية باسم "البنائين الأحرار" (ماسون تعني بناء).
ولأول مرة في التاريخ ظهر لعالم الوجود ما يسمونه بالبنائين الأحرار، وأخذت تنتشر الجمعيات التي تحمل هذا الاسم، وزعم أقطاب اليهود الذين يقفون وراء هذه الجمعيات أن أهدافها نشر المبادئ الإصلاحية والاجتماعية وبناء مجتمع إنساني جديد, وقد استطاعوا أن يتخذوا من أحد أنصارهم "ديزا كولييه" مطية لتحقيق أغراضهم وأطلقوا عليه وعلى من يسيرون على غراره من غير اليهود اسم "العميان" كما أطلقوا على اسم محفل لندن الماسوني المركزي اسم "محفل إنجلترا الأعظم" على أن يكون في مقدمة مهامه دعم اليهود ومحاربة الأديان وبث روح الإلحاد والإباحية.
وكانت أوروبا في تلك الفترة تعيش أخصب المراحل في ورش الإعمار والبناء، وكان البناؤون ناشطين ومؤثرين في مجريات الحياة من خلال العمل النقابي، فاستغل اليهود هذا المناخ للتمويه على انطلاقتهم السرية, وأطلقوا على حركتهم اسم البناؤون الأحرار (الماسونية)، وعلى هيكلهم اسم (المحفل) بقصد التعتيم والتضليل، وكانوا يرمزون بذلك إلى هدفهم الأكبر, استعادة مجد إسرائيل، واسترداد هيكل سليمان في بيت المقدس.
وبعد حوالي عشرة أشهر, وتحديداً في 24 حزيران 1717 عُقد أول لقاء بين الأعضاء الخمسة على أساس المعطيات الجديدة, وكان مكانه في لندن أيضاً، واعتبر هذا اليوم التاريخي بمثابة العيد السنوي للماسونية, أو يطلق على هذا اليوم حالياً وللتمويه (عيد مار يوحنا)، وأعلن حينها عن تأسيس أول محفل عالمي ماسوني سمي بمحفل انجلترا العظيم.
ومما ساعد لاحقاً على انتشار الحركة الماسونية كما سيتبين معنا, الظروف المفصلية التي كانت تعيشها أوروبا والتحولات الكبرى التي عصفت بها على كل المستويات.
فبعد ظهور عصر النهضة وما تولد عنه من أفكار تدعو إلى تقديس العقل، والإيمان بالقانون الطبيعي، ونبذ كل ما يتعلق بفكرة الغيب والدين، وفي ظل انكماش سلطة الكنيسة وتراجعها أمام زحف الأفكار العلمانية في صورتها الجنينية، ازدهرت الحركة الماسونية بأفكارها الجوفاء (الحرية والمساواة والاخاء), مستغلة بذلك حاجة الأوروبي الغريق, إلى خشبة الخلاص الروحي والمعنوي.
وقد استطاع الماسونيون بما كانوا يملكون من قوة التأثير المادي والإعلامي, استقطاب أبرز الرموز الأوروبية في تلك الفترة, بالإضافة إلى تركيزهم على الطبقة المتوسطة في المجتمع الأوروبي, والتي عادة ما تكون فاعلة وطامحة للتغيير، ومن هنا نجد سرعة انتشار المحافل الماسونية في أرجاء أوروبا، حيث أنه لم يمض أكثر من ثمان سنوات على تأسيس المحفل الأول في بريطانيا, حتى تلاه الثاني في فرنسا عام 1725, والثالث والرابع في كل من إيطاليا وألمانيا عام 1733.
وعلى مستوى الرموز الأوروبية السياسية, فقد انضم إلى الماسونية كلٌ من؛ ملكي بروسيا فريدريك الثاني والثالث، وملوك شبه جزيرة اسكندنافيا، وملك النمسا جوزف الثاني، ونابليون وأفراد أسرته, بالإضافة إلى أعضاء الأسرة المالكة الإنجليزية.
ويُقال أن أكثر من نصف أعضاء الجمعية العمومية في فرنسا عشية الثورة الفرنسية, كانوا أعضاء في الماسونية, ومن جهة ثانية استطاعت الماسونية، من خلال قدرة اليهود التعبوية، التأثير في أعضاء الطبقة الفكرية والعلمية من أمثال فولتير ومونتسكيو وجوته وفخته وهربر وموتسارت بالإضافة إلى الأنسيكلوبيديين (الموسوعيين).
وهذا باختصار؛ هو عرض لما حققته الماسونية خلال انطلاقتها الرسمية, ولا حاجة للتذكير بمغزى هذا الأمر لجهة قوة هذه الحركة ونفوذها الواسع, الذي استمر تصاعدياً حتى وقتنا الراهن، وأيضاً لجهة تماسك وتشابك تنظيمها السري الداخلي.
وللحركة الماسونية تاريخ أسود، وتردد اسمها عند نشأة كثير من الحركات السرية والعلنية وفي مؤامرات عديدة ، وعُرفت بطابع السرية والتكتم وبالطقوس الغريبة التي أخذت الكثير من رموزها من التراث اليهودي وكُتبت حولها الآلاف من الكتب في الغرب وفي الشرق.
ومن أهم الحركات والثورات التي كانت الماسونية وراءها الثورة الفرنسية، وحركة الاتحاد والترقي التي قامت بحركة انقلابية ضد السلطان عبد الحميد الثاني ووصلت إلى الحكم ثم ما لبثت أن ورطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى تمزقها وسقوطها.
وقد ظل طابع السرية يلف هذه الحركة في اجتماعاتها ومنتدياتها وتحركاتها حتى طرأ تطور جديد، إذ تجرأت بفتح أبوابها وإعلان نشاطها متحدية كل المشاعر المتأججة ضدها.
الماسونية في الشرق الأوسط
كانت تركيا, المحطة الأولى في المنطقة لإعلان هذا النشاط، ثم جاء الأردن ثانية، ولا ندري أين ستكون المحطة الثالثة؟
الماسونية كما هو ثابت نتاج الفكر اليهودي، وتركيا ترتبط مع الكيان الصهيوني بحلف استراتيجي، فهل هناك علاقة تجمع بين أطراف هذا الثالوث؟ وما قصة الماسونية في تركيا؟.. وماذا فعلت فيها؟ ولنبدأ من البداية:
اسطنبول:
تأسس أول محفل ماسوني في الدولة العثمانية عام 1861م تحت اسم "الشورى العثمانية العالية" ولكنه لم يستمر طويلاًً، فالظاهر أنه قوبل برد فعل غاضب مما أدى إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة من تأسيسه.
ومن المعروف أن أول سلطان عثماني ماسوني كان السلطان مراد الخامس الشقيق الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني والذي لم يدم حكمه سوى ثلاثة اشهر تقريباً عندما أقصي عن العرش لإصابته بالجنون, وقد انتسب إلى الماسونية عندما كان ولياً للعهد وارتبط بالمحفل الإسكتلندي، كما كان صديقاً حميماً لولي العهد الإنجليزي الأمير إدوارد "ملك إنجلترا فيما بعد" الذي كان ماسونياً مثله، حتى ظنّ بعض المؤرخين أن ولي عهد إنجلترا هو الذي أدخله في الماسونية، ولكن هذا غير صحيح لأنه كان ماسونياً قبل تعرفه إلى الأمير "إدوارد" .
وكان من النتائج الخطيرة لتواجد المحافل الماسونية الأجنبية داخل حدود الدولة العثمانية احتضان هذه المحافل حركة "الاتحاد والترقي" وهي في مرحلة المعارضة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني .
وأصبحت المحافل الماسونية محل عقد اجتماعات أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بعيداً عن أعين شرطة الدولة وعيونها لكونها تحت رعاية الدول الأجنبية ولا يمكن تفتيشها, ويعترف أحد المحافل الماسونية التركية الحالية وهو محفل "الماسونيون الأحرار والمقبولون" في صفحة "الإنترنت" التي فتحوها تحت رموز بأنه "من المعلوم وجود علاقات حميمة بين أعضاء جمعية الاتحاد والترقي وبين أعضاء المحافل الماسونية في تراقيا الغربية، بدليل أن الذين أجبروا السلطان عبد الحميد الثاني على قبول إعلان المشروطية كان معظمهم من الماسونيين".
يقول المؤرخ الأمريكي الدكتور "أرنست أ. رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908م" وهو يشرح سرعة انتشار حركة جمعية الاتحاد والترقي في مدينة سلانيك: "لم يمض وقت طويل على المتآمرين في سلانيك وهي مركز النشاط حتى اكتشفوا فائدة منظمة أخرى وهي الماسونية، ولما كان يصعب على عبد الحميد أن يعمل هنا بنفس الحرية التي كان يتمتع بها في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية فإن المحافل الماسونية القديمة في تلك المدينة استمرت تعمل دون انقطاع ـ بطريقة سرية طبعاً ـ وضمت إلى عضويتها عدداً ممن كانوا يرحبون بخلع عبد الحميد."
ثم يقول "ويؤكد لنا دارس آخر أنه في حوالي سنة 1900 قرر "المشرق الأعظم" الفرنسي (أي المحفل الماسوني الفرنسي) إزاحة السلطان عبد الحميد وبدأ يجتذب لهذا الغرض حركة تركيا الفتاة منذ بداية تكوينها.
ثم إن محللاً آخر يلاحظ: يمكن القول بكل تأكيد إن الثورة التركية (أي حركة جمعية الاتحاد والترقي) كلها تقريباً من عمل مؤامرة يهودية ماسونية".
ويقول "سيتون واطسون" في كتابه "نشأة القومية في بلاد البلقان": "إن أعضاء تركيا الفتاة ـ الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم معهم ـ كانوا رجالاً منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية وطراز تفكيرها لكونهم قضوا ردحاً طويلاً من الزمن في المنفى، وكانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية وبالنظريات غير المتوازنة للثورة الفرنسية.
كان كثير منهم أشخاصاً مشبوهين، ولكنهم كانوا دون أي استثناء رجال مؤامرات لا رجال دولة، ومدفوعين بدافع الكراهية والحقد الشخصي لا بدافع الوطنية, والثورة التي أنجزوها كانت نتاج عمل مدينة واحدة وهي مدينة سلانيك إذ نمت وترعرعت فيها وتحت حماية المحافل الماسونية "جمعية الاتحاد والترقي" وهي المنظمة السرية التي بدلت نظام حكم عبد الحميد.
وكما كان عهد الاتحاديين هو العهد الذهبي بالنسبة لليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين كذلك كان العهد الذهبي في فتح المحافل الماسونية في طول البلاد وعرضها في الدولة العثمانية.
يقول فخر البارودي في مذكراته واصفاً وضع دمشق بعد وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم : "وقد ساعد الاتحاديين على نشر دعايتهم اللوج ـ أي المحفل ـ الماسوني الذي كان مغلقاً قبل الدستور" ثم يقول: "وبعد الانقلاب فتح المحفل أبوابه، وجمع الأعضاء شملهم وأسسوا محفلاً جديداً أسموه محفل "نور دمشق" وربطوه بالمحفل الإسكتلندي" .
ولكي نعرف مكانة المحافل الماسونية لدى أعضاء جمعية الاتحاد والترقي نسوق هنا اعتراف أحد أعضائهم "كان هناك نوعان من الأعضاء في الجمعية:
أحدهما مرتبط بالمحفل الماسوني وهذا كنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب والأم، وآخر غير مرتبط بالمحفل الماسوني، فكنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب فقط".
وفي كتاب نشره الماسونيون في تركيا تحت عنوان "الماسونية في تركيا وفي العالم" يتحدث عن دور المحافل الماسونية في إنجاح حركة الاتحاديين "وقد انتشرت الماسونية بشكل خاص في سلانيك وحواليها.
ومع أن عبدالحميد حاول أن يحد ويشل الحركة الماسونية هناك، إلا أنه لم يوفق في مسعاه" ، "وقد قامت هذه المحافل، لاسيما محفل "ريزورتا" ومحفل "فاريتاس" بدور كبير في تأسيس وتوسيع حركة جمعية الاتحاد والترقي، كما كان للماسونيين دورهم في "إعلان الحرية" سنة 1908م.
الماسونية . اشتقاق لغوي من الكلمة الفرنسية ( ْMacon ) ومعناها (البناء) والماسونية تقابلها ( Maconneries) , أى البناؤون الأحرار , وفى الإنجليزية يقال: فري ماسون (Free-mason ) (البناؤون الأحرار) . وبذلك يتضح أن هذه المنظمة يربطها أصحابها ومؤسسوها بمهنة البناء , وبالفعل يزعم مؤرخوها ودعاتها أنها في الأصل تضم الجماعات المشتغلة في مهن البناء والعمار , وبهذا التبرير يحاولون إظهارها وكأنها أشبه بنقابة للعاملين في مهن البناء! ولو كانت الماسونية نقابة محترفي أعمال بناء فما الداعي لسريتها وإخفاء أوراقها ..؟!
حقيقة الماسونية
الماسونية هي حركة خطيرة ما إن يطرح اسمها حتى يثور القلق في نفس المستمع , وما أن تذكر حتى ترى الجلساء يبدءون بتعداد مؤامراتها ومكائدها , ويظهرون الحيرة في أمر هذه الحركة التي اعتمدت السرية في إخفاء حقيقتها وأهدافها , ولعل ذلك لأن اليهود الذين حاربوا الأنبياء والرسل , وظنوا أنهم شعب الله المختار وأن ما سواهم ( غوييم ), أي أغبياء ضالين يوجهونهم كيف يشاؤون ويصل بهم المستوى للقول : ( الغوييم هم حيوانات بصورة بشر ) أرادوا أن تكون الماسونية من جملة الأقنعة التي تستتر مخططاتهم وراءها.
يقول حكماء صهيون في البرتوكول الخامس عشر من بروتوكولاتهم: أنه من الطبيعي أن نقود نحن وحدنا الأعمال الماسونية ، لأننا وحدنا نعلم أين ذاهبون وما هو هدف كل عمل من أعمالنا, أما الغوييم فإنهم لا يفهمون شيئا حتى ولا يدركون النتائج القريبة , وفي مشاريعهم فإنهم لا يهتمون إلا بما يرضي مطامعهم المؤقتة ولا يدركون أيضا حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هي من وحينا !
هذا قليل من كثير جاء عند حكماء صهيون عن الماسونية بأنها من الأدوات الهامة التي يسعون عبرها لتحقيق أهدافهم سواء في بناء مملكتهم المزعومه في فلسطين ، و إعادة بناء هيكل سليمان , أو في تحقيق نفوذ لهم في أية حكومه أو مؤسسه يستطيعون النفاذ إليها , أو في نشر الفساد في الأرض ، لأن إشاعة التعلق بالماده والشهوات والأهواء يكشف الثغرات ونقاط الضعف في كل شخص والنافذين بشكل خاص كي يتوجهوا إليه بإشباع هذه الأهواء فيصبح رهينة بين أيديهم يستثمرونه كي يريدون .
والماسونية تعتمد المنهج اليهودي في الحط من شأن الخالق سبحانه وتعالى , فكما اليهود في توراتهم المحرفة يقولون بالاتحاد بين الله والإنسان , فيعطون على أساس ذلك لله تعالى أوصاف بشريه كقولهم مثلاً:
بكى حتى تورمت عينيه .. ندم على خراب الهيكل .. سمع آدم وقع أقدام الرب في الجنة .
كذلك الماسون يستخدمون للخالق سبحانه وتعالى تعبيرا غامضا هو: مهندس الكون الأعظم , و في هذا التعبير إنكار واضح لخلق الله تعالى المخلوقات من العدم, فالمهندس ليس سوى بان من مواد متوفرة , وقولهم الأعظم يفيد وكأن العمل تم من قبل مجموعة كان هو أعظمها .
فماسونيتهم كما يدعون فوق الأديان وهى عقيدة العقائد لا تعترف بوطنيه ولا قوميه فهي أمميه عالميه تعمل على توحيد العالم وسلام عالمي ولغة عالمية إلى ما هنالك من الشعارات البراقة التي يجد فيها الضعفاء سبيلا للهروب ومبررا لتقصيرهم في جهادهم من إعلاء راية الإيمان وحفظ الأمم والأوطان والمقدسات.
و ليست الماسونية حركة منظمة لا يمكن محاربتها وإنما حركة مشتتة متعددة النظم محافلها أكثر من أن تعد, وهي متصارعة , وكل محفل فيها يتهم غيره بالخروج عن الماسونية والانحراف عن مبادئها .
ففي لبنان وحده وهو بلد صغير هناك عشرات المحافل ولكل واحد منها نظامه ورؤساؤه و مفاهيمه , والماسونية حركة تشكل أداة بيد الصهيونية والاستعمار ولكنها ليست الوحيدة , فمن تفرعاتها أندية الروتاري والليونز التي يتباهى بعض من ينسبون أنفسهم لمراكز دينية أو ثقافية زورا بالانتماء لها أو حضور احتفالاتها, ومن مثيلاتها حركات هدامة وأبرزها البهائية والقاديانية .
جذور الماسونية
في الثلث الثاني من القرن الأول الميلادي، وبالتحديد في العام 43م وفي إطار حملتهم للقضاء على الديانة النصرانية، أنشأ اليهود جمعية سرية أطلقوا عليها اسم "القوة الخفية" واستعانوا بشخصية يهودية تعرف باسم "احيرام أبيود"، أحد مستشاري الملك هيرودس الثاني عدو النصرانية الأكبر، لتحقيق هذه الغاية.
وعن هذه النقطة يقول حيرام: «لما رأيت أن رجال الدجال يسوع وأتباعهم يكثرون ويجتهدون بتضليل الشعب اليهودي بتعاليمهم، مثلت أمام مولاي هيرودوس وقلت له: مولاي الملك , لقد تأكد لجلالتكم وللملأ أن ذلك الدجال يسوع استمال بأعماله وتعاليمه المضلة قلوب كثير من الشعب اليهودي شعبكم، وعلى ما يظهر أن أتباعه ينمون ويزدادون يوماً بعد يوم, فلما رأيت أن لا أمل بقوة تدفع تلك القوة التي لا شك أنها خفية إلا بإنشاء قوة خفية مثلها، فلذلك أرى من الصواب إذا حسن في عين جلالة مولاي وارتأى رأي عبده , إنشاء جمعية ذات قوة أعظم منها, تضم القوة اليهودية المهددة من تلك القوة الخفية، ولا يكون عالماً بمنشأها ووجودها ومبادئها وأعمالها إلا من كان داخلاً فيها، ولن ندع أحداً يعرف أننا أسسناها إلا المؤسسين الذين تختارهم جلالتكم...».
وجد الملك هيرودوس في فكرة أبيود, فرصة في محاربة أتباع الدعوة اليسوعية، فتلقفها على الفور وبادر إلى استدعاء أبرز مستشاريه بهدف تفعيلها على الفور في إطار تنظيمي فاعل، ولقد ضم الاجتماع الأول بالإضافة إلى الملك، وأبيود؛ كلاً من , مؤآب لافي, هانا أنتيبا, جاكوب أبدون, سلومون, أبيرون, أدونيرام.
والثابت تاريخياً أن السلف والخلف من آل هيرودوس لم يدخروا جهداً في التنكيل برموز الدعوة النصرانية من مثل , قتل القديس يعقوب وسجن الداعي بطرس وقطع رأس يوحنا المعمدان بالإضافة إلى ذبح أطفال بيت لحم.
وقد أسندت رئاسة جمعية "القوة الخفية" إلى الملك المذكور، وهكذا تم عقد أول اجتماع سري عام 43م حضره الملك المذكور ومستشاراه اليهوديان "احيرام أبيود" و"موآب لافي" وستة من الأنصار المختارين، وكان الغرض الرئيس من إنشاء هذه الجمعية القضاء على النصرانية.
وقد عقدوا الاجتماع الثاني واتخذوا بعض القرارات السرية وتعاهدوا على كتمانها وأفسحوا لمن يثقون بهم المجال للانضمام إلى هذه الجمعية على أن تُعصَب عينيْ كل من يود الانتساب للجمعية، واتفقوا على اتخاذ بعض الأدوات الهندسية كالبرجل والميزان رمزاً لمنـظمتهم السرية.
وتلا هذا الاجتماع سلسلة لقاءات دورية سرية, تمخض عنها وضع الخطوط العامة والتفصيلية للهيكلية التنظيمية، وتخلل هذا الأمر تدريجياً تسييج نشاطهم الداخلي والخارجي بسياج محكم من الطقوس والرموز السرية, وأعقب ذلك انتشار لأعضاء الحركة الجديدة وعمل دعوي على خطين متوازيين:
الأول: وتمثل في بناء هياكل (محافل حسب التسمية الحديثة) واجتذاب أعضاء جدد إليها من عامة الناس, تحت شعارات وعناوين مغايرة تماماً لحقيقة الأمر.
الثاني: نشاط سري تركز على تعقب المبشرين النصرانيين، إما بالتكذيب أو التحريف وأحياناً بالنفي والقتل.
وبعد هلاك الملك هيرودس انتقلت رئاسة هذه الجمعية السرية إلى "احيرام" مستشاره ثم أعقبه ابن أخيه "طوبان لقيان".
ويكتب التاريخ أن حيرام أبيود وجد مقتولاً تحت شجرة في مدينة صيدون (صيدا) خلال قيامه في مهمة تبشيرية, وتقديراً لفضله في تأسيس القوة الخفية والعمل على تعزيز مكانتها, بالغ تلامذته في تكريمه بأن أطلقوا على أنفسهم لفترة زمنية غير طويلة «أبناء الأرملة» وذلك لأن حيرام كان يتيم الأم, وغالباً ما عُرف بين أصحابه بـ «ابن الأرملة».
بقيت حركة حيرام أبيود تعرف باسم القوة الخفية, حتى بداية القرن الثامن عشر, وتُعد هذه المرحلة التاريخية الفاصلة بين انطلاقة الحركة ومطلع القرن المذكور, من أكثر المراحل غموضاً في تاريخها, ولم نعثر للأسف غلي ما كُتب عن تاريخ الماسونية, على ما يمكن أن يُستدل من خلاله على ما آلت إليه أمور الحركة طيلة هذه الفترة, غير أننا نفترض على ضوء ما حصل لاحقاً، ولأسباب نجهلها، أن الحركة أو القوة الخفية قد شُلت حركتها من الناحية العملية، فيما تحولت تعاليمها وإنجازاتها إلى إرث أسطوري توارثته نخبة من اليهود, تعود في جذورها إلى سلالة المؤسسين الأوائل.
وهذا ليس بالأمر المستغرب, إذا عرفنا طبيعة الحركات الباطنية التي تميل إلى الجمود والانطواء والتكتم على كل ما يتصل بتاريخ رموزها.
وتجاوزاً لتلك المرحلة الغامضة بكل ما حملت من تطورات وأحداث، نتوقف عند بداية القرن الثامن عشر, حيث شهدت محاولة تجديد الإرث الخفي، وانطلاقة الحركة الماسونية وشيوعها.
ففي 25 أغسطس من العام 1716, اجتمع كلٌ من «جوزف لافي» أحد ورثة تاريخ أجداده, من الجد الأكبر «موآب لافي» وابنه إبراهيم, ويهودي آخر يدعى «إبراهيم أبيود» من سلالة المؤسس الأول «حيرام أبيود», بالإضافة إلى عضوين آخرين, اجتمع الخمسة في لندن بعد اطلاعهم على النسخة الأصلية لتعاليم القوة الخفية ورموزها وإشاراتها السرية, ووضعوا لها بعض المبادئ البراقة "حرية، مساواة، إخاء، تعاون" .
واستبدلوا الرموز القديمة باصطلاحات جديدة كما قرروا تبديل اسم "هيكل" الذي كانوا يستعملونه قديماً باسم "محفل" وتبديل اسم القوة الخفية باسم "البنائين الأحرار" (ماسون تعني بناء).
ولأول مرة في التاريخ ظهر لعالم الوجود ما يسمونه بالبنائين الأحرار، وأخذت تنتشر الجمعيات التي تحمل هذا الاسم، وزعم أقطاب اليهود الذين يقفون وراء هذه الجمعيات أن أهدافها نشر المبادئ الإصلاحية والاجتماعية وبناء مجتمع إنساني جديد, وقد استطاعوا أن يتخذوا من أحد أنصارهم "ديزا كولييه" مطية لتحقيق أغراضهم وأطلقوا عليه وعلى من يسيرون على غراره من غير اليهود اسم "العميان" كما أطلقوا على اسم محفل لندن الماسوني المركزي اسم "محفل إنجلترا الأعظم" على أن يكون في مقدمة مهامه دعم اليهود ومحاربة الأديان وبث روح الإلحاد والإباحية.
وكانت أوروبا في تلك الفترة تعيش أخصب المراحل في ورش الإعمار والبناء، وكان البناؤون ناشطين ومؤثرين في مجريات الحياة من خلال العمل النقابي، فاستغل اليهود هذا المناخ للتمويه على انطلاقتهم السرية, وأطلقوا على حركتهم اسم البناؤون الأحرار (الماسونية)، وعلى هيكلهم اسم (المحفل) بقصد التعتيم والتضليل، وكانوا يرمزون بذلك إلى هدفهم الأكبر, استعادة مجد إسرائيل، واسترداد هيكل سليمان في بيت المقدس.
وبعد حوالي عشرة أشهر, وتحديداً في 24 حزيران 1717 عُقد أول لقاء بين الأعضاء الخمسة على أساس المعطيات الجديدة, وكان مكانه في لندن أيضاً، واعتبر هذا اليوم التاريخي بمثابة العيد السنوي للماسونية, أو يطلق على هذا اليوم حالياً وللتمويه (عيد مار يوحنا)، وأعلن حينها عن تأسيس أول محفل عالمي ماسوني سمي بمحفل انجلترا العظيم.
ومما ساعد لاحقاً على انتشار الحركة الماسونية كما سيتبين معنا, الظروف المفصلية التي كانت تعيشها أوروبا والتحولات الكبرى التي عصفت بها على كل المستويات.
فبعد ظهور عصر النهضة وما تولد عنه من أفكار تدعو إلى تقديس العقل، والإيمان بالقانون الطبيعي، ونبذ كل ما يتعلق بفكرة الغيب والدين، وفي ظل انكماش سلطة الكنيسة وتراجعها أمام زحف الأفكار العلمانية في صورتها الجنينية، ازدهرت الحركة الماسونية بأفكارها الجوفاء (الحرية والمساواة والاخاء), مستغلة بذلك حاجة الأوروبي الغريق, إلى خشبة الخلاص الروحي والمعنوي.
وقد استطاع الماسونيون بما كانوا يملكون من قوة التأثير المادي والإعلامي, استقطاب أبرز الرموز الأوروبية في تلك الفترة, بالإضافة إلى تركيزهم على الطبقة المتوسطة في المجتمع الأوروبي, والتي عادة ما تكون فاعلة وطامحة للتغيير، ومن هنا نجد سرعة انتشار المحافل الماسونية في أرجاء أوروبا، حيث أنه لم يمض أكثر من ثمان سنوات على تأسيس المحفل الأول في بريطانيا, حتى تلاه الثاني في فرنسا عام 1725, والثالث والرابع في كل من إيطاليا وألمانيا عام 1733.
وعلى مستوى الرموز الأوروبية السياسية, فقد انضم إلى الماسونية كلٌ من؛ ملكي بروسيا فريدريك الثاني والثالث، وملوك شبه جزيرة اسكندنافيا، وملك النمسا جوزف الثاني، ونابليون وأفراد أسرته, بالإضافة إلى أعضاء الأسرة المالكة الإنجليزية.
ويُقال أن أكثر من نصف أعضاء الجمعية العمومية في فرنسا عشية الثورة الفرنسية, كانوا أعضاء في الماسونية, ومن جهة ثانية استطاعت الماسونية، من خلال قدرة اليهود التعبوية، التأثير في أعضاء الطبقة الفكرية والعلمية من أمثال فولتير ومونتسكيو وجوته وفخته وهربر وموتسارت بالإضافة إلى الأنسيكلوبيديين (الموسوعيين).
وهذا باختصار؛ هو عرض لما حققته الماسونية خلال انطلاقتها الرسمية, ولا حاجة للتذكير بمغزى هذا الأمر لجهة قوة هذه الحركة ونفوذها الواسع, الذي استمر تصاعدياً حتى وقتنا الراهن، وأيضاً لجهة تماسك وتشابك تنظيمها السري الداخلي.
وللحركة الماسونية تاريخ أسود، وتردد اسمها عند نشأة كثير من الحركات السرية والعلنية وفي مؤامرات عديدة ، وعُرفت بطابع السرية والتكتم وبالطقوس الغريبة التي أخذت الكثير من رموزها من التراث اليهودي وكُتبت حولها الآلاف من الكتب في الغرب وفي الشرق.
ومن أهم الحركات والثورات التي كانت الماسونية وراءها الثورة الفرنسية، وحركة الاتحاد والترقي التي قامت بحركة انقلابية ضد السلطان عبد الحميد الثاني ووصلت إلى الحكم ثم ما لبثت أن ورطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى تمزقها وسقوطها.
وقد ظل طابع السرية يلف هذه الحركة في اجتماعاتها ومنتدياتها وتحركاتها حتى طرأ تطور جديد، إذ تجرأت بفتح أبوابها وإعلان نشاطها متحدية كل المشاعر المتأججة ضدها.
الماسونية في الشرق الأوسط
كانت تركيا, المحطة الأولى في المنطقة لإعلان هذا النشاط، ثم جاء الأردن ثانية، ولا ندري أين ستكون المحطة الثالثة؟
الماسونية كما هو ثابت نتاج الفكر اليهودي، وتركيا ترتبط مع الكيان الصهيوني بحلف استراتيجي، فهل هناك علاقة تجمع بين أطراف هذا الثالوث؟ وما قصة الماسونية في تركيا؟.. وماذا فعلت فيها؟ ولنبدأ من البداية:
اسطنبول:
تأسس أول محفل ماسوني في الدولة العثمانية عام 1861م تحت اسم "الشورى العثمانية العالية" ولكنه لم يستمر طويلاًً، فالظاهر أنه قوبل برد فعل غاضب مما أدى إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة من تأسيسه.
ومن المعروف أن أول سلطان عثماني ماسوني كان السلطان مراد الخامس الشقيق الأكبر للسلطان عبد الحميد الثاني والذي لم يدم حكمه سوى ثلاثة اشهر تقريباً عندما أقصي عن العرش لإصابته بالجنون, وقد انتسب إلى الماسونية عندما كان ولياً للعهد وارتبط بالمحفل الإسكتلندي، كما كان صديقاً حميماً لولي العهد الإنجليزي الأمير إدوارد "ملك إنجلترا فيما بعد" الذي كان ماسونياً مثله، حتى ظنّ بعض المؤرخين أن ولي عهد إنجلترا هو الذي أدخله في الماسونية، ولكن هذا غير صحيح لأنه كان ماسونياً قبل تعرفه إلى الأمير "إدوارد" .
وكان من النتائج الخطيرة لتواجد المحافل الماسونية الأجنبية داخل حدود الدولة العثمانية احتضان هذه المحافل حركة "الاتحاد والترقي" وهي في مرحلة المعارضة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني .
وأصبحت المحافل الماسونية محل عقد اجتماعات أعضاء جمعية الاتحاد والترقي بعيداً عن أعين شرطة الدولة وعيونها لكونها تحت رعاية الدول الأجنبية ولا يمكن تفتيشها, ويعترف أحد المحافل الماسونية التركية الحالية وهو محفل "الماسونيون الأحرار والمقبولون" في صفحة "الإنترنت" التي فتحوها تحت رموز بأنه "من المعلوم وجود علاقات حميمة بين أعضاء جمعية الاتحاد والترقي وبين أعضاء المحافل الماسونية في تراقيا الغربية، بدليل أن الذين أجبروا السلطان عبد الحميد الثاني على قبول إعلان المشروطية كان معظمهم من الماسونيين".
يقول المؤرخ الأمريكي الدكتور "أرنست أ. رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908م" وهو يشرح سرعة انتشار حركة جمعية الاتحاد والترقي في مدينة سلانيك: "لم يمض وقت طويل على المتآمرين في سلانيك وهي مركز النشاط حتى اكتشفوا فائدة منظمة أخرى وهي الماسونية، ولما كان يصعب على عبد الحميد أن يعمل هنا بنفس الحرية التي كان يتمتع بها في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية فإن المحافل الماسونية القديمة في تلك المدينة استمرت تعمل دون انقطاع ـ بطريقة سرية طبعاً ـ وضمت إلى عضويتها عدداً ممن كانوا يرحبون بخلع عبد الحميد."
ثم يقول "ويؤكد لنا دارس آخر أنه في حوالي سنة 1900 قرر "المشرق الأعظم" الفرنسي (أي المحفل الماسوني الفرنسي) إزاحة السلطان عبد الحميد وبدأ يجتذب لهذا الغرض حركة تركيا الفتاة منذ بداية تكوينها.
ثم إن محللاً آخر يلاحظ: يمكن القول بكل تأكيد إن الثورة التركية (أي حركة جمعية الاتحاد والترقي) كلها تقريباً من عمل مؤامرة يهودية ماسونية".
ويقول "سيتون واطسون" في كتابه "نشأة القومية في بلاد البلقان": "إن أعضاء تركيا الفتاة ـ الذين كان غرب أوروبا على اتصال دائم معهم ـ كانوا رجالاً منقطعين وبعيدين عن الحياة التركية وطراز تفكيرها لكونهم قضوا ردحاً طويلاً من الزمن في المنفى، وكانوا متأثرين وبشكل سطحي بالحضارة الغربية وبالنظريات غير المتوازنة للثورة الفرنسية.
كان كثير منهم أشخاصاً مشبوهين، ولكنهم كانوا دون أي استثناء رجال مؤامرات لا رجال دولة، ومدفوعين بدافع الكراهية والحقد الشخصي لا بدافع الوطنية, والثورة التي أنجزوها كانت نتاج عمل مدينة واحدة وهي مدينة سلانيك إذ نمت وترعرعت فيها وتحت حماية المحافل الماسونية "جمعية الاتحاد والترقي" وهي المنظمة السرية التي بدلت نظام حكم عبد الحميد.
وكما كان عهد الاتحاديين هو العهد الذهبي بالنسبة لليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين كذلك كان العهد الذهبي في فتح المحافل الماسونية في طول البلاد وعرضها في الدولة العثمانية.
يقول فخر البارودي في مذكراته واصفاً وضع دمشق بعد وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم : "وقد ساعد الاتحاديين على نشر دعايتهم اللوج ـ أي المحفل ـ الماسوني الذي كان مغلقاً قبل الدستور" ثم يقول: "وبعد الانقلاب فتح المحفل أبوابه، وجمع الأعضاء شملهم وأسسوا محفلاً جديداً أسموه محفل "نور دمشق" وربطوه بالمحفل الإسكتلندي" .
ولكي نعرف مكانة المحافل الماسونية لدى أعضاء جمعية الاتحاد والترقي نسوق هنا اعتراف أحد أعضائهم "كان هناك نوعان من الأعضاء في الجمعية:
أحدهما مرتبط بالمحفل الماسوني وهذا كنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب والأم، وآخر غير مرتبط بالمحفل الماسوني، فكنا نطلق عليه اسم الأخ من الأب فقط".
وفي كتاب نشره الماسونيون في تركيا تحت عنوان "الماسونية في تركيا وفي العالم" يتحدث عن دور المحافل الماسونية في إنجاح حركة الاتحاديين "وقد انتشرت الماسونية بشكل خاص في سلانيك وحواليها.
ومع أن عبدالحميد حاول أن يحد ويشل الحركة الماسونية هناك، إلا أنه لم يوفق في مسعاه" ، "وقد قامت هذه المحافل، لاسيما محفل "ريزورتا" ومحفل "فاريتاس" بدور كبير في تأسيس وتوسيع حركة جمعية الاتحاد والترقي، كما كان للماسونيين دورهم في "إعلان الحرية" سنة 1908م.