حوار مع حمار جارى العزيز
لجارى حمار وأغرب ما في الأمر أنى لم أسمع له صوتا أو كما يقال ( نهيق ) منذ أن سكن جارى منذ عقود طويلة حتى ظننته أخرس .
ذات ليلة بينما أنا عائد للبيت ليلاً , فإذا به واقفا أمام باب منزلى , قلت فى نفسى مابه لم أعهده على هذه الحال من قبل, كما وأنه دائما ما ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا.
فإذا به يفاجئنى قائلاً لا تعجب فأنا بانتظارك منذ زمن بعيد جارنا الـ......
قلت له وقد تملكتنى الدهشة , أتتكلم فوالله ما ظننتك الا أخرسا, وفيما كل هذا الانتظار؟
قال الحمار : جئتك شاكيا صاحبى هذا !
قلت : مابه ؟
قال الحمار : أحمق قبح الله منظره .
قلت له : أتقول هذا وهو من يسعى إليك بالماء والشعير باذلاً نفسه فى إسعادك .
قال الحمار : دعك من هذا , ليس بالبرسيم وحده تعيش الحمير , إن ما يصنعه كى لا أهلك فيشقى من بعدى , ثم أوليس هذا حق من حقوقى بعد كل هذا العمل المضني والشاق .
قلت له : ثكلتك أمك ما أفصحك!!. قل شكواك انى فى عجالة من أمري .
قال الحمار : صاحبي كما أخبرتك .....
قلت له : ما به؟ ولا تقل لى أنه أحمق ....
قال الحمار : بل غاية فى الحمق واسمع لتحكم على عظيم حمقه ....
هذا الأحمق منذ عرفته وهو يشاهد التلفاز كل ليلة فلا يطرب منها إلا بسماع نشرات الإخبار , وما إن ينتهى من قناة حتى يقلب الأخرى باحثا فى الأخبار حتى حفظتها عن ظهر قلب .
بالأمس جلس باكيا قائلا قم صلاح الدين انظر , لقد ضيعنا فلسطين ويهزك صوت بكائه وهو يقول ذبحوك بغداد وما لك من معتصم ويردد وامعتصماه إنطلقت ملىء أفواه الصبايا ليتم لامست أسماعهم وهى لم تلامس نخوة المعتصم .
ثم ماأكثر ما يبكيه فها هو يشاهد مجزرة للبوسنة يبكى وهو يقول لله درك خالدا لو أن سيفك حاضراً.
أما لو رأيت صنيعة يوم أفغانستان مرددا أين أنتِ أمة الإسلام أين سعد والقعقاع وابن العوام ؟.
وآه آه لوحدثتك بحديث غزة فلقد بات باكيا حتى قلت أنه فاقدٌ ناظريه لا محاله, جلس مرددا الله أكبر تجاوز شهداؤها الألف .
قلت له : ما لك والأرقام ياأحمق أيها الحمار أو ماعلمت بعشقنا الكبير للأرقام منها, فعندنا بلد المليون شهيد والمليون لاجئ والمليون نازح والمليون مشرد فما عرفنا ولا ألفنا بأقل من المليون عددًا.
قال الحمار : آه لو سمعته صائحا أين أمة العرب وين الملا يين؟
قلت له : وما كان ردك ؟
قال الحمار : قلت ما بى أراك وقد أتعبت الاموات تناديهم وتناجيهم فأتعبتنى معك وهممت أن أرفسه لولا رحابة صدرى , واستطرد قائلا ....
الا فأصدقنى قولا أليس صاحبى بأحمق؟.
فسكت وانتابنى شعور غريب , وعجبت من أمر هذا الحمار المتتبع لما يدور حوله , وحرصا منى على سلامة موقفى أمام الحمار , وتفاديا للاجابة على سؤاله .
قلت له : وماذا بعد يافصيح ؟
فتصاعد صوته خشناًثم علا وعلا حتى صار هديراً يصم الآذان , تقطعه شهقات حادة كالصفافير وبدا كأن ورشة هائلة قد أطلقت كل آلاتها دفعة واحدة في نشاز يصدع الرأس ويبعث الضيق إلى صدور الآدميين , ثم هدأ واستطرد قائلا ....
قال الحمار : أمس بعد منتصف الليل كان الحر الخانق قد أزهق أنفاسي وطرد النعاس من عيني فأخذت أتمرغ على التراب في فناء الدار أحاول أن أطرد النوم , وفجأة سمعت صوتاً هاتفاً في السحر .. لا لا لا ، بل سمعت صوتاً ينبعث من حجرة صاحبي فنفضت أذني وأرهفت السمع محدقاً من خلال باب الحجرة المفتوح , فقد كان هو وزوجته لا يحتشمان منى ولا يجدان ضرورة في غلق الباب بيني وبينهما خصوصاً في ليالي الصيف , ورأيت المرأة ترفسه برجلها فيتدحرج بعيداً وهى تسبه بأفحش الألفاظ , وتتحسر على ضياع عمرها معه , فجلس على طرف الفراش ذليلاً مهموماً رأسه الكبير منكس على صدره ويداه متشابكتان في حجره والأسى يرسم سطوراً على وجهه يزيدها عمقاً ضوء اللمبة الخافت .
قلت له : وماذا فى ذلك ؟
قال الحمار : صاحبي فتوة ، يجلس أمامي قد سحقه الهوان والعجز ، فامتلأت نفسي كبرياءً وشموخاً وأعلنت عن فتوتي وفحولتي بنهيق حاد مزق سكون الليل , وتهيأت لعلقة ساخنة فصاحبي لم يعجبه هذا كما توقعت ، فقام وتناول عصا غليظة وأنقض علىّ كالغول وهو يسبني بألفاظ داعرة وقحة وعصاه تلهب جسدي وتشعل فيه النيران فجريت أدور في فناء الدار وأنا أرفس الهواء من حرقة الضرب , وهو يزداد هياجاً حتى أشتفى منى وانصرف إلى حجرته فأغلق الباب دوني وتركني لغيظ شديدالمرارة .
واستطرد فى الحديث قائلا ....
مالي أنا .. رجل أخفق مع زوجته ما ذنبي ؟ لماذا يقطع جسدي هكذا بالضرب الموجع الأليم , عقيب لياليه التي تبدأ بشرب الدخان المعسل من خلال الجوزة واحتساء كوب الشاي كأي سلطان ، ثم تنتهي هذه النهاية المهينة له ولى , حتى استقر في ذهني أنى مسئول عن فشله .
على كل حال أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا , على الرغم من كل شيء أحس نحوه بالشفقة والرثاء , وإنما هو يحس نحوى بتوجس وعدم اطمئنان , بل أكاد أقول إنها الغيرة تأكل قلبه أكلاً , كلما رأى امرأته تمسح رقبتي بكفها البيضاء الناعمة وأنا أرفع رأسي أمرغها على صدرها , أواه من الحقد .. كل شيء يمكن معالجته إلا الحقد , وهو لا يطيق أن يعلو صوتي أمامه ، ولولا أنى أعول أسرته لتخلص منى منذ وقت طويل .
وشتائمه المنتقاة وسبابه الفاحش وشاربه الذي يفتله في كبرياء وهو يصرخ بملىء صوته حين يجهدني الصعود في الطرق وأنا أجذب ثقيل الأحمال : ــ ( شي يا بهيم .. شد حيلك يا خرع ) سامحه الله .. خرع مرة واحدة .. صدق المثل اللى اختشوا ماتوا وعلى كل حال ، لا داعي وكفى الله المؤمنين شر القتال .
ضحكت متعجبا على موقف الحمار من صاحبه و .....
قلت له : وماذا فى جعبتك من مواقف تجاه صاحبك ؟
قال الحمار : فى يوم هبت نسائم طرية من الهواء ، فرفعت جلباب امرأة تعبر الطريق وكشفت عن سيقانها , نفخ صاحبي صدره على الفور , وأمسك بشاربه يفتله وينظر إلى المرأة في صبابة , كنت أعرف أنها مجرد منظره , وانطلق صوته يعربد في غناء خشن متحشرج : ــ ( أما رمانا الهوى ونعسنا .. واللي شبكنا يخلصنا .. ) يالهذا الصوت المنكر , وددت لو أن معي عصا إذن لألهبت جسد صاحبي بها , وسددت ركلة في الهواء على سبيل الاستنكار , وفجأة سيل من الشتائم يتطاير من فمه الغاضب :
ــ ( شي يا حمار يابن الحمار .. تحرك يابن العاهرة .. ) أي حياة هذه نكد في نكد , ماذا أصنع مع صاحبي هذا ؟
واستطرد الحمار قائلا
مررنا بشرطي يقف وسط الطريق أشار إلى صاحبي وهو يصرخ : ــ ( أنت يا عربجى .. امسك يمينك يا بهيم .. )
رددت الكلمات في سرى باستمتاع ونهقت بصوت خفيض وقد طفح منى السرور ، وتحرك ذيلي يهتز في نشوة اغتاظ لها صاحبي أكثر مما اغتاظ لشتائم الشرطي , فإذا بالعصا ترفع في الهواء وتلحس جسدي من كل اتجاه , فأطلقت سيقاني للريح ثم خففت من العدو ، ثم وقفت على بعد أمتار كانت المقهى .
فك صاحبي اللجام وركن العربة في بقعة خالية وبها عشرات العربات والزملاء معلقون يتناولون طعامهم في سكون , وضع صاحبي مخلة العليق في متناول فمي وذهب ليأخذ له مكاناً على الأريكة الخشبية بينما انهمكت في التهام التبن وارتفع صوت صاحبي :
ــ ( إياك اسمع صوتك )
لماذا ؟! من لا يطيق سماع صوتي فأنه لا يطيقني , لأن صوتي جزء منى , أيريد أن أبقى معه أخرس صامتاً حتى أحوز رضاه وأنجو من سعير عصاه , وكيف تكون الحياة من غير نهيق ؟!!
أنا أنهق .. إذن أنا موجود .. سوف أنهق .. أنهق بأعلى صوت وليكن ما يكون .!!
ضحكت عاليا من أفكار حمار جارى واصرارة على اثبات ذاته ولو كان هذا الاثبات بالنهيق .!!
قلت له : بسخرية ويحك بدأت تتكلم فى السياسة ؟
نظر الحمار الى نظرة سخرية واستطرد فى استهجان , سأحكى لك تجربتى الشخصية فى عالم السياسة .
قلت له : ويحك لك تجربة فى عالم السياسة والانتخابات ؟
قال الحمار : تمكنت زوجتي وبعد إلحاح شديد منها باقناعي بالترشح للإنتخابات الماضية ، وقد إخترت أن أخوض غمار هذه الإنتخابات تحت شعار الحزب الحميرى الديمقراطي الذي يعتبر الممثل الوحيد , والذى لا يمكن لك النجاح دون الانضمام اليه , وخوض الانتخابات تحت مظلته .
قلت له : وماذا كان برنامجك الانتخابى الذى تقدمت به للناخبين فعلى حد علمى لابد لكل مرشح من برنامج بقدمة لناخبيه ؟
قال الحمار : لن أكذب عليك ولن استعير فروة الثعلب لأقول لك أن هدفي من الترشح هو خدمة و تحسين أوضاع الناس والنهوض بمدنهم وقراهم المهمشة القابعة بالحضيض ، بل سأكون صريحا معك حد السذاجة والغباء اللذان أتميز بهما كحمار ، ولن ابيعك الوهم والسراب ، لأن هدفي الرئيسي الذي كان على راس برنامجي الانتخابي هو خدمة نفسي بالدرجة الاولى وتحسين وضعي في السلم الاجتماعي والعمل على الترقي من مجرد حمار .
قلت له : لكن هذا لا يليق بك كمرشح من المفروض أن يكون حريصا غلى خدمة مصالح ناخبيه ؟
قال الحمار : متهكما مصلحة الناخبين , منذ أن كنت جحشا صغيرا لم أرى وأسمع عن مرشح اهتم بمصلحة الناخبين , كلهم ياعزيزى يهتموا بمصالحهم الشخصية والتسهيلات البنكية , والحصول على قروض بالمليارات فى تمويل مشاريعهم الوهمية والفرار بعد ذلك للبلاد الأجنبية .
قلت له : يالك من حمار خبيث , قول لى واصدقنى القول , بماذا وعدت فى برنامجك الانتخابى ؟
قال الحمار : وعدت كل حمار منهم يصوت لي بالمشاركة بالمسابقة التي ينظمها الحزب الحميرى الديمقراطي والاستفادة من الفوز بإحدى الجوائز المخصصة وهى :
- بطاقة الحمير كارد - إسطبل فاخر مطل على البحر - وإقامة لمدة أسبوعين بأحد الحقول الفارهة .
كما وعدتهم بالإضافة إلى كل ذلك وبعد إستنفاذ مدة تحسين اوضاعي ، بإعتماد الساعة الشتوية وذلك بإرجاع عقارب الساعة ساعتين إلى الوراء ، وذلك نكاية في الحكومات التي تضيف ساعةً صيفية لسخسخة العباد ، وهكذا لن يكونوا مضطرين بعد اليوم للإستيقاظ مبكرا ، و سيتمكنون من النوم طويلا إلى ما بعد طلوع الشمس .
وقلت لهم لن أعبد طرقكم ولكني سوف اقوم بما لم يقم به من قبل أيُ مرشح غيري ، سوف أمنحكم الزفت بأطنان كبيرة لتفعلو به ما تشاؤون ، زفتوا به أحياءكم وضعوه على عتبات بيوتكم لطرد النحس والفقر منها، سدوا به الثقوب ورقعوا كل العيوب والفائض منه قوموا بتصديره إلى جيبوتي او الصومال واشتروا اعلافا بثمنه.
وأنهم سيشبعون زفتاً إذا إنتخبوني ، وسيذكر التاريخ عهدي على انه عهد الزفت بإمتياز .
وعدتهم بالشبع حتى التخمه والجوع حتى الموت ، ومداواتهم برائحة البصل الذي سوف تنخفض أثمانه بعهدي إلى ما دون السعر العالمى ، وأن لا يطالبوني بأن أشيد لهم المستشفيات لأنهم لن تحتاجوا إليها بعهدي "عهد البصل" ، وذلك للفوائد الصحية الجمة للبصْل الذي سيغنيهم عن دواء الطبيب وحبوب الفياجرا .
قلت لهم إخواني الحمير والحميرات ، لن أشيّد لكم المدارس لتعلموا ابناءكم ، ولن أتعهد بتوظيفهم والعمل على خفض نسبة البطالة .
ايها الحمير والحميرات بعد كل هدا النهيق والترفيس هل اقنعكم برنامجي , وهل ستصوتون لي ؟
أتمنى ذلك .. فبإختياركم " رمز الجحش ".. تقضون على مستقبلكم ومستقبل أبنائكم .
قلت له : هذا على صعيد السياسة الداخلية فماذا عن السياسة الخارجية ؟
قال الحمار : السياسة الخارجية ماأسهلها , سأعمل على تمزيق العلاقات الأخوية بمباراة كروية , وأغض الطرف عن المشكلات والقضايا الاسلامية , ولحفظ ماء الوجه سأكتفى بعقد المؤتمرات وبيانات الادانة والشجب القوية , وبالنسبة للغرب الأمر سهل وبسيط كل اللى تحتاجه شوية بهلوانية وتلعب على كل حبل شويه .
قلت له : كده بكل بساطة , هى دى نظرتك السياسية ؟
قال الحمار : اتعلمناها منكم يابـ .....
قلت له : اخرس .. صحيح حمار وأنا الحق عليه , اللى سمعت شكواك وبالأخير يبقى ده رأيك في الأمة العربية .!!
لجارى حمار وأغرب ما في الأمر أنى لم أسمع له صوتا أو كما يقال ( نهيق ) منذ أن سكن جارى منذ عقود طويلة حتى ظننته أخرس .
ذات ليلة بينما أنا عائد للبيت ليلاً , فإذا به واقفا أمام باب منزلى , قلت فى نفسى مابه لم أعهده على هذه الحال من قبل, كما وأنه دائما ما ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا.
فإذا به يفاجئنى قائلاً لا تعجب فأنا بانتظارك منذ زمن بعيد جارنا الـ......
قلت له وقد تملكتنى الدهشة , أتتكلم فوالله ما ظننتك الا أخرسا, وفيما كل هذا الانتظار؟
قال الحمار : جئتك شاكيا صاحبى هذا !
قلت : مابه ؟
قال الحمار : أحمق قبح الله منظره .
قلت له : أتقول هذا وهو من يسعى إليك بالماء والشعير باذلاً نفسه فى إسعادك .
قال الحمار : دعك من هذا , ليس بالبرسيم وحده تعيش الحمير , إن ما يصنعه كى لا أهلك فيشقى من بعدى , ثم أوليس هذا حق من حقوقى بعد كل هذا العمل المضني والشاق .
قلت له : ثكلتك أمك ما أفصحك!!. قل شكواك انى فى عجالة من أمري .
قال الحمار : صاحبي كما أخبرتك .....
قلت له : ما به؟ ولا تقل لى أنه أحمق ....
قال الحمار : بل غاية فى الحمق واسمع لتحكم على عظيم حمقه ....
هذا الأحمق منذ عرفته وهو يشاهد التلفاز كل ليلة فلا يطرب منها إلا بسماع نشرات الإخبار , وما إن ينتهى من قناة حتى يقلب الأخرى باحثا فى الأخبار حتى حفظتها عن ظهر قلب .
بالأمس جلس باكيا قائلا قم صلاح الدين انظر , لقد ضيعنا فلسطين ويهزك صوت بكائه وهو يقول ذبحوك بغداد وما لك من معتصم ويردد وامعتصماه إنطلقت ملىء أفواه الصبايا ليتم لامست أسماعهم وهى لم تلامس نخوة المعتصم .
ثم ماأكثر ما يبكيه فها هو يشاهد مجزرة للبوسنة يبكى وهو يقول لله درك خالدا لو أن سيفك حاضراً.
أما لو رأيت صنيعة يوم أفغانستان مرددا أين أنتِ أمة الإسلام أين سعد والقعقاع وابن العوام ؟.
وآه آه لوحدثتك بحديث غزة فلقد بات باكيا حتى قلت أنه فاقدٌ ناظريه لا محاله, جلس مرددا الله أكبر تجاوز شهداؤها الألف .
قلت له : ما لك والأرقام ياأحمق أيها الحمار أو ماعلمت بعشقنا الكبير للأرقام منها, فعندنا بلد المليون شهيد والمليون لاجئ والمليون نازح والمليون مشرد فما عرفنا ولا ألفنا بأقل من المليون عددًا.
قال الحمار : آه لو سمعته صائحا أين أمة العرب وين الملا يين؟
قلت له : وما كان ردك ؟
قال الحمار : قلت ما بى أراك وقد أتعبت الاموات تناديهم وتناجيهم فأتعبتنى معك وهممت أن أرفسه لولا رحابة صدرى , واستطرد قائلا ....
الا فأصدقنى قولا أليس صاحبى بأحمق؟.
فسكت وانتابنى شعور غريب , وعجبت من أمر هذا الحمار المتتبع لما يدور حوله , وحرصا منى على سلامة موقفى أمام الحمار , وتفاديا للاجابة على سؤاله .
قلت له : وماذا بعد يافصيح ؟
فتصاعد صوته خشناًثم علا وعلا حتى صار هديراً يصم الآذان , تقطعه شهقات حادة كالصفافير وبدا كأن ورشة هائلة قد أطلقت كل آلاتها دفعة واحدة في نشاز يصدع الرأس ويبعث الضيق إلى صدور الآدميين , ثم هدأ واستطرد قائلا ....
قال الحمار : أمس بعد منتصف الليل كان الحر الخانق قد أزهق أنفاسي وطرد النعاس من عيني فأخذت أتمرغ على التراب في فناء الدار أحاول أن أطرد النوم , وفجأة سمعت صوتاً هاتفاً في السحر .. لا لا لا ، بل سمعت صوتاً ينبعث من حجرة صاحبي فنفضت أذني وأرهفت السمع محدقاً من خلال باب الحجرة المفتوح , فقد كان هو وزوجته لا يحتشمان منى ولا يجدان ضرورة في غلق الباب بيني وبينهما خصوصاً في ليالي الصيف , ورأيت المرأة ترفسه برجلها فيتدحرج بعيداً وهى تسبه بأفحش الألفاظ , وتتحسر على ضياع عمرها معه , فجلس على طرف الفراش ذليلاً مهموماً رأسه الكبير منكس على صدره ويداه متشابكتان في حجره والأسى يرسم سطوراً على وجهه يزيدها عمقاً ضوء اللمبة الخافت .
قلت له : وماذا فى ذلك ؟
قال الحمار : صاحبي فتوة ، يجلس أمامي قد سحقه الهوان والعجز ، فامتلأت نفسي كبرياءً وشموخاً وأعلنت عن فتوتي وفحولتي بنهيق حاد مزق سكون الليل , وتهيأت لعلقة ساخنة فصاحبي لم يعجبه هذا كما توقعت ، فقام وتناول عصا غليظة وأنقض علىّ كالغول وهو يسبني بألفاظ داعرة وقحة وعصاه تلهب جسدي وتشعل فيه النيران فجريت أدور في فناء الدار وأنا أرفس الهواء من حرقة الضرب , وهو يزداد هياجاً حتى أشتفى منى وانصرف إلى حجرته فأغلق الباب دوني وتركني لغيظ شديدالمرارة .
واستطرد فى الحديث قائلا ....
مالي أنا .. رجل أخفق مع زوجته ما ذنبي ؟ لماذا يقطع جسدي هكذا بالضرب الموجع الأليم , عقيب لياليه التي تبدأ بشرب الدخان المعسل من خلال الجوزة واحتساء كوب الشاي كأي سلطان ، ثم تنتهي هذه النهاية المهينة له ولى , حتى استقر في ذهني أنى مسئول عن فشله .
على كل حال أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا , على الرغم من كل شيء أحس نحوه بالشفقة والرثاء , وإنما هو يحس نحوى بتوجس وعدم اطمئنان , بل أكاد أقول إنها الغيرة تأكل قلبه أكلاً , كلما رأى امرأته تمسح رقبتي بكفها البيضاء الناعمة وأنا أرفع رأسي أمرغها على صدرها , أواه من الحقد .. كل شيء يمكن معالجته إلا الحقد , وهو لا يطيق أن يعلو صوتي أمامه ، ولولا أنى أعول أسرته لتخلص منى منذ وقت طويل .
وشتائمه المنتقاة وسبابه الفاحش وشاربه الذي يفتله في كبرياء وهو يصرخ بملىء صوته حين يجهدني الصعود في الطرق وأنا أجذب ثقيل الأحمال : ــ ( شي يا بهيم .. شد حيلك يا خرع ) سامحه الله .. خرع مرة واحدة .. صدق المثل اللى اختشوا ماتوا وعلى كل حال ، لا داعي وكفى الله المؤمنين شر القتال .
ضحكت متعجبا على موقف الحمار من صاحبه و .....
قلت له : وماذا فى جعبتك من مواقف تجاه صاحبك ؟
قال الحمار : فى يوم هبت نسائم طرية من الهواء ، فرفعت جلباب امرأة تعبر الطريق وكشفت عن سيقانها , نفخ صاحبي صدره على الفور , وأمسك بشاربه يفتله وينظر إلى المرأة في صبابة , كنت أعرف أنها مجرد منظره , وانطلق صوته يعربد في غناء خشن متحشرج : ــ ( أما رمانا الهوى ونعسنا .. واللي شبكنا يخلصنا .. ) يالهذا الصوت المنكر , وددت لو أن معي عصا إذن لألهبت جسد صاحبي بها , وسددت ركلة في الهواء على سبيل الاستنكار , وفجأة سيل من الشتائم يتطاير من فمه الغاضب :
ــ ( شي يا حمار يابن الحمار .. تحرك يابن العاهرة .. ) أي حياة هذه نكد في نكد , ماذا أصنع مع صاحبي هذا ؟
واستطرد الحمار قائلا
مررنا بشرطي يقف وسط الطريق أشار إلى صاحبي وهو يصرخ : ــ ( أنت يا عربجى .. امسك يمينك يا بهيم .. )
رددت الكلمات في سرى باستمتاع ونهقت بصوت خفيض وقد طفح منى السرور ، وتحرك ذيلي يهتز في نشوة اغتاظ لها صاحبي أكثر مما اغتاظ لشتائم الشرطي , فإذا بالعصا ترفع في الهواء وتلحس جسدي من كل اتجاه , فأطلقت سيقاني للريح ثم خففت من العدو ، ثم وقفت على بعد أمتار كانت المقهى .
فك صاحبي اللجام وركن العربة في بقعة خالية وبها عشرات العربات والزملاء معلقون يتناولون طعامهم في سكون , وضع صاحبي مخلة العليق في متناول فمي وذهب ليأخذ له مكاناً على الأريكة الخشبية بينما انهمكت في التهام التبن وارتفع صوت صاحبي :
ــ ( إياك اسمع صوتك )
لماذا ؟! من لا يطيق سماع صوتي فأنه لا يطيقني , لأن صوتي جزء منى , أيريد أن أبقى معه أخرس صامتاً حتى أحوز رضاه وأنجو من سعير عصاه , وكيف تكون الحياة من غير نهيق ؟!!
أنا أنهق .. إذن أنا موجود .. سوف أنهق .. أنهق بأعلى صوت وليكن ما يكون .!!
ضحكت عاليا من أفكار حمار جارى واصرارة على اثبات ذاته ولو كان هذا الاثبات بالنهيق .!!
قلت له : بسخرية ويحك بدأت تتكلم فى السياسة ؟
نظر الحمار الى نظرة سخرية واستطرد فى استهجان , سأحكى لك تجربتى الشخصية فى عالم السياسة .
قلت له : ويحك لك تجربة فى عالم السياسة والانتخابات ؟
قال الحمار : تمكنت زوجتي وبعد إلحاح شديد منها باقناعي بالترشح للإنتخابات الماضية ، وقد إخترت أن أخوض غمار هذه الإنتخابات تحت شعار الحزب الحميرى الديمقراطي الذي يعتبر الممثل الوحيد , والذى لا يمكن لك النجاح دون الانضمام اليه , وخوض الانتخابات تحت مظلته .
قلت له : وماذا كان برنامجك الانتخابى الذى تقدمت به للناخبين فعلى حد علمى لابد لكل مرشح من برنامج بقدمة لناخبيه ؟
قال الحمار : لن أكذب عليك ولن استعير فروة الثعلب لأقول لك أن هدفي من الترشح هو خدمة و تحسين أوضاع الناس والنهوض بمدنهم وقراهم المهمشة القابعة بالحضيض ، بل سأكون صريحا معك حد السذاجة والغباء اللذان أتميز بهما كحمار ، ولن ابيعك الوهم والسراب ، لأن هدفي الرئيسي الذي كان على راس برنامجي الانتخابي هو خدمة نفسي بالدرجة الاولى وتحسين وضعي في السلم الاجتماعي والعمل على الترقي من مجرد حمار .
قلت له : لكن هذا لا يليق بك كمرشح من المفروض أن يكون حريصا غلى خدمة مصالح ناخبيه ؟
قال الحمار : متهكما مصلحة الناخبين , منذ أن كنت جحشا صغيرا لم أرى وأسمع عن مرشح اهتم بمصلحة الناخبين , كلهم ياعزيزى يهتموا بمصالحهم الشخصية والتسهيلات البنكية , والحصول على قروض بالمليارات فى تمويل مشاريعهم الوهمية والفرار بعد ذلك للبلاد الأجنبية .
قلت له : يالك من حمار خبيث , قول لى واصدقنى القول , بماذا وعدت فى برنامجك الانتخابى ؟
قال الحمار : وعدت كل حمار منهم يصوت لي بالمشاركة بالمسابقة التي ينظمها الحزب الحميرى الديمقراطي والاستفادة من الفوز بإحدى الجوائز المخصصة وهى :
- بطاقة الحمير كارد - إسطبل فاخر مطل على البحر - وإقامة لمدة أسبوعين بأحد الحقول الفارهة .
كما وعدتهم بالإضافة إلى كل ذلك وبعد إستنفاذ مدة تحسين اوضاعي ، بإعتماد الساعة الشتوية وذلك بإرجاع عقارب الساعة ساعتين إلى الوراء ، وذلك نكاية في الحكومات التي تضيف ساعةً صيفية لسخسخة العباد ، وهكذا لن يكونوا مضطرين بعد اليوم للإستيقاظ مبكرا ، و سيتمكنون من النوم طويلا إلى ما بعد طلوع الشمس .
وقلت لهم لن أعبد طرقكم ولكني سوف اقوم بما لم يقم به من قبل أيُ مرشح غيري ، سوف أمنحكم الزفت بأطنان كبيرة لتفعلو به ما تشاؤون ، زفتوا به أحياءكم وضعوه على عتبات بيوتكم لطرد النحس والفقر منها، سدوا به الثقوب ورقعوا كل العيوب والفائض منه قوموا بتصديره إلى جيبوتي او الصومال واشتروا اعلافا بثمنه.
وأنهم سيشبعون زفتاً إذا إنتخبوني ، وسيذكر التاريخ عهدي على انه عهد الزفت بإمتياز .
وعدتهم بالشبع حتى التخمه والجوع حتى الموت ، ومداواتهم برائحة البصل الذي سوف تنخفض أثمانه بعهدي إلى ما دون السعر العالمى ، وأن لا يطالبوني بأن أشيد لهم المستشفيات لأنهم لن تحتاجوا إليها بعهدي "عهد البصل" ، وذلك للفوائد الصحية الجمة للبصْل الذي سيغنيهم عن دواء الطبيب وحبوب الفياجرا .
قلت لهم إخواني الحمير والحميرات ، لن أشيّد لكم المدارس لتعلموا ابناءكم ، ولن أتعهد بتوظيفهم والعمل على خفض نسبة البطالة .
ايها الحمير والحميرات بعد كل هدا النهيق والترفيس هل اقنعكم برنامجي , وهل ستصوتون لي ؟
أتمنى ذلك .. فبإختياركم " رمز الجحش ".. تقضون على مستقبلكم ومستقبل أبنائكم .
قلت له : هذا على صعيد السياسة الداخلية فماذا عن السياسة الخارجية ؟
قال الحمار : السياسة الخارجية ماأسهلها , سأعمل على تمزيق العلاقات الأخوية بمباراة كروية , وأغض الطرف عن المشكلات والقضايا الاسلامية , ولحفظ ماء الوجه سأكتفى بعقد المؤتمرات وبيانات الادانة والشجب القوية , وبالنسبة للغرب الأمر سهل وبسيط كل اللى تحتاجه شوية بهلوانية وتلعب على كل حبل شويه .
قلت له : كده بكل بساطة , هى دى نظرتك السياسية ؟
قال الحمار : اتعلمناها منكم يابـ .....
قلت له : اخرس .. صحيح حمار وأنا الحق عليه , اللى سمعت شكواك وبالأخير يبقى ده رأيك في الأمة العربية .!!